قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهاتين الآيتين ما ملخصه : هذان مثلان ضربهما الله ـ تعالى ـ لنوعى الكفار ، فأما المثال الأول ، فهو للكفار الدعاة إلى كفرهم ، الذين يحسبون أنهم على شيء من الأعمال والاعتقادات وليسوا في نفس الأمر على شيء «فمثلهم في ذلك كالسراب الذي يرى في القيعان من الأرض عن بعد كأنه بحر طام.
وهذا المثال مثال لذوي الجهل المركب ـ أى الذين يعتقدون الباطل ويزعمون أنه الحق ـ والمثال الثاني لأصحاب الجهل البسيط ، وهم الأغشام والمقلدون لأئمة الكفر فمثلهم كما قال ـ تعالى ـ : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ.). (١).
* * *
وبعد أن أورد ـ سبحانه ـ هذين المثلين للذين كفروا وأعمالهم ، أتبع ذلك ببيان أن الكون كله يسبح بحمد الله ـ تعالى ـ وأن الكون كله في ملكه وقبضته ، فقال ـ تعالى ـ :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ)(٤٢)
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ.). للتقرير. والرؤية : بمعنى العلم.
والتسبيح : مشتق من السبح ، وهو المر السريع في الماء أو في الهواء. فالمسبح : مسرع في تنزيه الله ـ تعالى ـ وتقديسه وإثبات ما يليق بجلاله من صفات الكمال.
والمعنى : لقد علمت أيها الرسول الكريم علما يشبه المشاهدة في اليقين ، أن الله ـ تعالى ـ يسبحه ويقدسه وينزهه عن كل ما لا يليق به ـ عزوجل ـ جميع من في السموات ، وجميع من في الأرض.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) برفع ، «والطير» على أنه معطوف على «من» وبنصب «صافات» على أنه حال.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٧٧.