أى : والطير ـ أيضا ـ تسبح لله ـ تعالى ـ حال كونها صافات أجنحتها في الجو ، دون أن يمسكها أحد إلا هو ـ سبحانه ـ.
وخص الطيور بالذكر مع أنها مندرجة تحت من في السموات والأرض لعدم استقرارها بصفة دائمة على الأرض ، فهي ـ في مجموعها ـ تارة على الأرض ، وتارة في الجو.
وذكرها في حال بسطها لأجنحتها لأن هذه الحالة من أعجب أحوالها ، حيث تكون في الجو باسطة لأجنحتها بدون تحريك ، مما يدل على بديع صنع الله في خلقه.
وصدق الله إذ يقول : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ.). (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) استئناف لبيان مظهر من مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ وحكمته ، حيث ألهم ـ سبحانه ـ كل مخلوق من مخلوقاته كيفية التسبيح لخالقه ـ عزوجل.
والتنوين في «كل» عوض عن المضاف إليه ، والضمير المحذوف الذي هو فاعل «علم» يعود على المصلى والمسبح.
أى : كل واحد ممن يصلى لله ـ تعالى ـ ويسبح بحمده ـ سبحانه ـ ، قد علم معنى صلاته ومعنى تسبيحه ، فهو لم يعبد الله اتفاقا أو بلا روية ، وإنما عبده ـ تعالى ـ عن قصد ونية ، ولكن بكيفية نفوض معرفتها إلى الخالق ـ عزوجل ـ وحده.
ومنهم من يرى أن الضمير في «علم» يعود إلى الله ـ تعالى ـ فيكون المعنى : كل واحد من هؤلاء المصلين والمسبحين ، قد علم ـ سبحانه ـ صلاتهم وتسبيحهم له علما تاما شاملا.
قال بعض العلماء ما ملخصه : واعلم أن الأظهر أن يكون ضمير الفاعل المحذوف في قوله (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) راجعا إلى المصلين والمسبحين أى : كل من المصلين قد علم صلاة نفسه ، وكل من المسبحين قد علم تسبيح نفسه ، لأنه على هذا القول يكون قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) من باب التأسيس. أما على القول بأن الضمير يعود إلى الله ـ تعالى ـ. أى : كل واحد منهم قد علم الله صلاته وتسبيحه. فيكون قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) من باب التأكيد اللفظي ، والتأسيس للأحكام أولى من التأكيد لها.
والظاهر أن الطير تسبح وتصلى صلاة وتسبيحا يعلمها الله ، ونحن لا نعلمهما كما قال ـ
__________________
(١) سورة الملك الآية ١٩.