رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ) واستمروا على هذا التكذيب تلك القرون المتطاولة (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أى فاحكم بقدرتك العادلة بيني وبينهم حكما من عندك ، تنجي به أهل الحق ، وتمحق به أهل الباطل.
وسمى الحكم فتحا ، لما فيه من إزالة الإشكال في الأمر ، كما أن فتح الشيء المغلق يؤدى إلى إزالة هذا الإغلاق. ولذا قيل للحاكم فاتح لفتحه أغلاق الحق.
ثم حكى ـ سبحانه ـ أنه قد استجاب لنوح دعاءه فقال : (فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ).
والفلك ـ كما يقول الآلوسى ـ : يستعمل للواحد وللجمع. وحيث أتى في القرآن الكريم فاصلة استعمل مفردا. وحيث أتى غير فاصلة استعمل جمعا.
والمشحون : المملوء بهم وبكل ما يحتاجون إليه من وسائل المعيشة.
أى : فاستجبنا لعبدنا نوح دعاءه. فأنجيناه ومن معه من المؤمنين في السفينة المملوءة بهم. وبما هم في حاجة إليه ، ثم أغرقنا بعد إنجائهم الباقين من قومه على كفرهم وضلالهم ..
(إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي ذكرناه لك ـ أيها الرسول الكريم ـ عن نوح وقومه (لَآيَةً) كبرى على وحدانيتنا وقدرتنا (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ، جانبا من قصة هود ـ عليهالسلام ـ مع قومه فقال ـ تعالى ـ :
(كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٢٧) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١)