لك ، والحال أن الذين اتبعوك من سفلة الناس وفقرائهم ، وأصحاب الحرف الدنيئة فينا ..؟.
وهذا المنطق المرذول قد حكاه القرآن في كثير من آياته ، على ألسنة المترفين ، وهم يردون على أنبيائهم عند ما يدعونهم إلى الدين الحق ..
وهنا يرد عليهم نوح ردا حكيما (قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي) ..
أى : قال لهم على سبيل الاستنكار لما واجهوه به : وأى علم لي بأعمال أتباعى ، إن الذي يعلم حقيقة نواياهم وأعمالهم هو الله ـ تعالى ـ أما أنا فوظيفتى قبول أعمال الناس على حسب ظواهرها.
وهؤلاء الضعفاء ـ الأرذلون في زعمكم ـ ليس حسابهم إلا على الله ـ تعالى ـ وحده ، فهو أعلم ببواطنهم وبأحوالهم منى ومنكم (لَوْ تَشْعُرُونَ) أى : لو كنتم من أهل الفهم والشعور بحقائق الأمور لا بزيفها ، لعلمتم سلامة ردى عليكم ولكنكم قوم تزنون الناس بميزان غير عادل ، لذا قلتم ما قلتم.
ثم يحسم الأمر معهم في هذه القضية فيقول : (وَما أَنَا) بحال من الأحوال (بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) الذين اتبعونى وصدقونى وآمنوا بدعوتي سواء أكانوا من الأرذلين ـ في زعمكم ـ أم من غيرهم ، (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أى : ليست وظيفتي إلا الإنذار الواضح للناس بسوء المصير ، إذا ما استمروا على كفرهم ، سواء أكانوا من الأغنياء أم من الفقراء.
فأنت ترى أن نوحا ـ عليهالسلام ـ قد جمع في رده عليهم ، بين المنطق الرصين الحكيم ، وبين الحزم والشجاعة والزجر الذي يخرس ألسنتهم.
لذا نراهم وقد أخرسهم المنطق المستقيم الذي سلكه نوح معهم ، يلجئون إلى التهديد والوعيد لنبيهم ـ عليهالسلام ـ : (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ).
أى : إذا لم تكف يا نوح عن مجادلتك لنا ، ومن دعوتك إيانا إلى ترك عبادة آلهتنا ، لتكونن من المرجومين منا بالحجارة حتى تموت.
وهكذا الطغاة يلجئون إلى القوة والتهديد والوعيد ، عند ما يجدون أنفسهم وقد حاصرهم أصحاب الحق من كل جوانبهم ، بالحجة الواضحة ، وبالرأى السديد ..
ويئس نوح ـ عليهالسلام ـ من إيمان قومه ، بعد أن لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، وبعد أن سمع منهم ما يدل على رسوخهم في الكفر والضلال ، تضرع إلى ربه (قالَ