تعالى ـ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.). (١).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ أن جميع مخلوقاته تسبح بحمده وأنه ـ تعالى ـ عليم بأفعالهم لا يخفى عليه شيء منها ، أتبع ذلك ببيان أن هذا الكون ملك له وحده ، فقال : «ولله ملك السموات والأرض» لا لأحد غيره ، لا استقلالا ولا اشتراكا ، بل هو وحده ـ سبحانه ـ المالك لهما ولمن فيهما «وإلى الله المصير» أى : وإليه وحده مصيرهم ورجوعهم بعد موتهم ، فيجازى كل مخلوق من مخلوقاته بما يستحق من ثواب أو عقاب.
* * *
ثم لفت ـ سبحانه ـ بعد ذلك أنظار عباده إلى مظاهر قدرته في هذا الكون ، حيث يزجى السحاب ، ثم يؤلف بينه ، ثم يجعله ركاما ... وحيث نوع مخلوقاته مع أنها جميعا من أصل واحد فقال ـ تعالى ـ :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤) وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٤٥)
قوله ـ تعالى ـ (يُزْجِي) من الإزجاء بمعنى الدفع بأناة ورفق. يقال : زجى الراعي إبله تزجية ، إذا ساقها برفق. وأزجت الريح السحاب ، أى : دفعته.
__________________
(١) تفسير أضواء للبيان ج ٦ ص ٢٤٥ للمرحوم الشيخ محمد الأمين الشنقيطى.