التي أمر برفعها ، دون أن يشغلهم عن ذلك شاغل ، وبشرتهم بالعطاء الواسع الذي سيعطيهم الله إياه بفضله وكرمه.
* * *
وبعد تلك الصورة المشرقة التي بينها ـ سبحانه ـ لمن هداهم لنوره ، أتبع ذلك بضرب مثلين لأعمال الكفار ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ)(٤٠)
قال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ) عطف على ما قبله ، من باب عطف القصة على القصة ، أو على مقدر ينساق إليه ما قبله ، كأنه قيل : الذين آمنوا أعمالهم حالا ومآلا كما وصف والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة (١).
والمراد بأعمالهم هنا : الأعمال الصالحة التي كانوا يعملونها في الدنيا كالإحسان إلى الفقراء ، وصلة الأرحام وما يشبه ذلك.
والسراب : هو الشعاع الذي يتراءى للناظر من بعيد كأنه ماء. ويكون ذلك في وسط النهار عند اشتداد الحر ، في الأماكن الواسعة ، وسمى سرابا لأنه يرى من بعيد يتسرب فوق الأرض كأنه ماء ، مع أنه ليس بماء ولا غيره.
والباء في قوله (بِقِيعَةٍ) بمعنى في. والقيعة : جمع قاع وهو ما انبسط واتسع من الأرض. دون أن يكون فيه زرع ، وفوقه يتراءى السراب. والجار والمجرور متعلق بمحذوف ، صفة للسراب.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ١٧٩.