وقوله : (فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) أى : قال الرجل لموسى : مادام الأمر كذلك يا موسى فاخرج من هذه المدينة ، ولا تعرض نفسك للخطر ، إنى لك من الناصحين بذلك ، قبل أن يظفروا بك ليقتلوك.
واستجاب موسى لنصح هذا الرجل (فَخَرَجَ مِنْها) أى : من المدينة ، حالة كونه (خائِفاً) من الظالمين (يَتَرَقَّبُ) التعرض له منهم ، ويعد نفسه للتخفى عن أنظارهم.
وجعل يتضرع إلى ربه قائلا : (رَبِّ نَجِّنِي) بقدرتك وفضلك (مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) بأن تخلصني من كيدهم ، وتحول بينهم وبيني ، فأنا ما قصدت بما فعلت ، إلا دفع ظلمهم وبغيهم.
وإلى هنا تكون السورة الكريمة ، قد قصت علينا هذا الجانب من حياة موسى ، بعد أن بلغ أشده واستوى ، وبعد أن دفع بهمته الوثابة ظلم الظالمين ، وخرج من مدينتهم خائفا يترقب ، ملتمسا من خالقه ـ عزوجل ـ النجاة من مكرهم.
* * *
ثم حكت لنا السورة الكريمة بعد ذلك ، ما كان منه عند ما توجه إلى جهة مدين ، وما حصل له في تلك الجهة من أحداث ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما