«والله» ـ تعالى ـ «سريع الحساب» ، لأنه لا يشغله حساب عن حساب ولا عمل عن عمل ، بل حساب الناس جميعا عنده ـ عزوجل ـ كحساب النفس الواحدة.
وقوله ـ تعالى ـ : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ، يَغْشاهُ مَوْجٌ ، مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ، مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ، ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) مثال آخر لأعمال الكافرين التي لا ينتفعون بها مع أنهم يعتقدون أنها ستنفعهم.
فحرف «أو» للتقسيم ، وما بعدها معطوف على قوله ـ سبحانه ـ قبل ذلك ، «كسراب بقيعة».
والمعنى : أو أن الأعمال الحسنة في الدنيا لهؤلاء الكافرين ، مثلها ـ من حيث خلوها عن نور الحق وعن النفع ـ كمثل «ظلمات» كثيفة «في بحر لجي» أى : عميق الماء كثيره ، من اللج وهو معظم ماء البحر.
«يغشاه موج» أى : هذا البحر اللجى. يغطيه ويستره ويعلوه موج عظيم «من فوقه موج» آخر أشد منه «من فوقه سحاب» أى : من فوق تلك الأمواج الهائلة الشديدة ، سحاب كثيف متراكم قائم.
«ظلمات بعضها فوق بعض» أى : هذه الأمواج المتلاطمة ، وتحتها البحر العميق المظلم ، وفوقها السحب الفاتحة الداكنة ، هي ظلمات بعضها فوق بعض ، «إذا أخرج يده لم يكد يراها» أى : إذا أخرج الواقع في تلك الظلمات يده التي هي جزء منه ، لم يكد يراها من شدة تراكم الظلمات.
قال الآلوسى : «إذا أخرج» أى : من ابتلى بهذه الظلمات «يده» وجعلها بمرأى منه ، قريبة من عينيه لينظر إليها «لم يكد يراها» أى : لم يقرب من رؤيتها ، وهي أقرب شيء إليه ، فضلا عن أن يراها .. (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة ببيان سنة من سننه التي لا تتخلف فقال : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ).
والمعنى : وأى إنسان لم يشأ الله ـ تعالى ـ أن يجعل له نورا يهديه إلى الصراط المستقيم فما لهذا الإنسان من نور يهديه إلى الحق والخير ، من أى مخلوق كائنا من كان ، إذ أن الذي يملك منح النور الهادي إنما هو الله ـ تعالى ـ وحده.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ١٨٣.