الأولى بكم والأليق بكرامتكم أن تعينوهن على العفاف والطهر ، بدل أن تكرهوهن على ارتكاب الفاحشة من أجل عرض من أعراض الحياة الدنيا؟.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بيان لمظهر من مظاهر فضل الله ـ تعالى ـ ورحمته ـ بعباده.
أى : ومن يكره إماءه على البغاء فإن الله ـ تعالى ـ بفضله وكرمه من بعد إكراهكم لهن ، غفور رحيم لهن ، أما أنتم يا من أكرهتموهن على الزنا فالله وحده هو الذي يتولى حسابكم ، وسيجازيكم بما تستحقون من عقاب.
فمغفرة الله ـ تعالى ـ ورحمته إنما هي للمكرهات على الزنا ، لا للمكرهين لهن على ذلك.
قال بعض العلماء : قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قيل : غفور لهن. وقيل : غفور لهم. وقيل : غفور لهن ولهم.
والأظهر : أن المعنى لهن ، لأن المكره لا يؤاخذ بما يكره عليه ، بل يغفره الله له ، لعذره بالإكراه. فالموعود بالمغفرة والرحمة ، هو المعذور بالإكراه دون المكره ـ بكسر الراء ـ لأنه غير معذور بفعله القبيح (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه التشريعات الحكيمة. والتوجيهات السديدة ، بقوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ، وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ). وقوله (مُبَيِّناتٍ) قرأها بعض القراء السبعة بفتح الياء المشددة ، وقرأها الباقون بكسرها.
فعلى قراءة الفتح يكون المعنى : وبالله لقد أنزلنا إليكم ـ أيها المؤمنون ـ في هذه السورة وغيرها آيات بيّنّا لكم معانيها ، وجعلناها واضحة الدلالة على ما شرعناها لكم من أحكام وآداب وحدود.
وعلى قراءة الكسر يكون المعنى : وبالله لقد أنزلنا إليكم آيات ، هي مبينات موضحات لكل ما أنتم في حاجة إلى بيانه ومعرفته من آداب وتشريعات ، فإسناد التبيين هنا إلى الآيات على سبيل المجاز.
وقوله : (وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) معطوف على «آيات». والمراد بالمثل : الأخبار العجيبة التي ذكرها ـ سبحانه ـ عن السابقين.
أى ، أنزلنا إليكم آيات واضحات في ذاتها وموضحة لغيرها. وأنزلنا إليكم ـ أيضا ـ
__________________
(١) تفسير أضواء للبيان ج ٦ ص ٢١٩ للشيخ محمد الأمين الشنقيطى.