المال الذي آتاكم الله إياه ، بفضله وإحسانه.
وهكذا نرى الإسلام يأمر أتباعه الذين رزقهم الله نعمة الحرية ، أن يعينوا مماليكهم على ما يمكنهم من الحصول على هذه النعمة.
ومن العلماء من يرى أن الأمر في قوله ـ تعالى ـ : (فَكاتِبُوهُمْ) وفي قوله (وَآتُوهُمْ) للوجوب ، لأنه هو الذي يتناسب مع حرص شريعة الإسلام على تحرير الأرقاء.
ثم نهى ـ سبحانه ـ عن رذيلة كانت موجودة في المجتمع ، لكي يطهره منها ، فقال : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ ـ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ـ لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا).
قال الآلوسى : أخرج مسلم وأبو داود عن جابر أن جارية لعبد الله بن أبى بن سلول يقال لها «مسيكة» وأخرى يقال لها «أميمة» كان يكرههما على الزنا ، فشكتا ذلك إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم فنزلت.
وأخرج ابن مردويه عن على ـ رضى الله عنه ـ أنهم كانوا في الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا ، ويأخذون أجورهن ، فنهوا عن ذلك في الإسلام ، ونزلت الآية .. (١).
والفتيات جمع فتاة والمراد بهن هنا الإماء ، وعبر عنهن بقوله «فتياتكم» على سبيل التكريم لهن ، ففي الحديث الشريف : «لا يقولن أحدكم عبدى وأمتى ولكن فتاي وفتأتي».
والبغاء ـ بكسر الباء ـ زنى المرأة خاصة ، مصدر بغت المرأة تبغى بغاء إذا فجرت.
والتحصن : التصون والتعفف عن الزنا.
والمعنى : ولا تكرهوا ـ أيها الأحرار ـ فتياتكم اللائي تملكوهن على الزنا إن كرهنه وأردن العفاف والطهر ، لكي تنالوا من وراء إكراههن على ذلك ، بعض المال الذي يدفع لهن نظير افتراشهن.
وقوله ـ تعالى ـ (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) ليس المقصود منه أنهن إن لم يردن التحصن يكرهن على ذلك ، وإنما المراد منه بيان الواقع الذي نزلت من أجله الآية ، وهو إكراههم لإمائهم على الزنا مع نفورهن منه. ولأن الإكراه لا يتصور عند رضاهن بالزنا واختيارهن له ، وإنما يتصور عند كراهتهن له ، وعدم رضاهن عنه ، ولأن في هذا التعبير تعبيرا لهم ، فكأنه ـ سبحانه ـ يقول لهم : كيف يقع منكم إكراههن على البغاء وهن إماء يردن العفة ويأبين الفاحشة؟ ألم يكن
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ١٥٦.