وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) أى : والله ـ تعالى ـ واسع الغنى لا تنفد خزائنه ، ولا ينتهى ما عنده من خير ، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
ثم أرشد ـ سبحانه ـ الذين لا يجدون وسائل النكاح ، إلى ما يعينهم على حفظ فروجهم ، فقال : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).
والاستعفاف : طلب العفة ، واختيار طريق الفضيلة التي من وسائلها ما أشار إليه ـ سبحانه ـ في قوله : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ).
والمعنى : وعلى المؤمنين والمؤمنات «الذين لا يجدون نكاحا» أى : الذين لا يجدون الوسائل والأسباب التي توصلهم إلى الزواج بسبب ضيق ذات اليد ، أو ما يشبه ذلك ، عليهم أن يتحصنوا بالعفاف وأن يصونوا أنفسهم عن الفواحش ، وأن يستمروا على ذلك حتى يرزقهم الله ـ تعالى ـ من فضله رزقا ، يستعينون به على إتمام الزواج.
فهذه الجملة الحكيمة وعد كريم من الله ـ تعالى ـ للتائقين إلى الزواج ، العاجزين عن تكاليفه بأنه ـ سبحانه ـ سيرزقهم من فضله ما يعينهم على التمكن منه ، متى اعتصموا بطاعته ، وحافظوا على أداء ما أمرهم به.
قال صاحب الكشاف : «وما أحسن ما رتب هذه الأوامر : حيث أمر ـ أولا ـ بما يعصم من الفتنة ويبعد عن مواقعة المعصية ، وهو غض البصر. ثم بالنكاح الذي يحصن به الدين ، ويقع به الاستغناء بالحلال عن الحرام ، ثم بالحمل على النفس الأمارة بالسوء ، وعزفها عن الطموح إلى الشهوة عند العجز عن النكاح إلى أن يرزق القدرة عليه» (١).
ثم حض ـ سبحانه ـ على إعانة الأرقاء لكي يتخلصوا من رقهم ويصيروا أحرارا. فقال : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ، وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ).
والمراد بالكتاب هنا : المكاتبة التي تكون بين السيد وعبده ، بأن يقول السيد لعبده : إن أديت إلى كذا من المال فأنت حر لوجه الله ، فإذا قبل العبد ذلك وأدى ما طلبه منه سيده ، صار حرا.
أى : والذين يطلبون المكاتبة من عبيدكم ـ أيها الأحرار .. فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ، أى : أمانة وقدرة على الكسب ، وأعينوهم على التحرر من رقهم بأن تعطوهم شيئا من
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢٣٨.