كان الليل سرمدا ـ هي أكثر الحواس استعمالا في تلك الحالة المفترضة ، وختم الآية الثانية بقوله : (أَفَلا تُبْصِرُونَ) ، لأن حاسة البصر ـ فيما لو كان النهار سرمدا ـ من أكثر الحواس استعمالا في هذه الحالة.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هلا قيل : بنهار تتصرفون فيه ، كما قيل «بليل تسكنون فيه ،؟
قلت ذكر الضياء ـ هو ضوء الشمس ـ لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة ، ليس التصرف في المعاش وحده ، والظلام ليس بتلك المنزلة (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) بيان لمظاهر فضل الله ـ تعالى ـ على الناس ، حيث جعل الليل والنهار على تلك الحالة التي يعيشون فيها.
أى : ومن رحمته بكم ـ أيها الناس ـ أنه ـ سبحانه ـ لم يجعل زمان الليل سرمدا ، ولا زمان النهار ، بل جعلهما متعاقبين ، وجعل لكل واحد منهما زمانا محددا مناسبا لمصالحكم ومنافعكم ، فالليل تسكنون فيه وتريحون فيه أبدانكم ، والنهار تنتشرون فيه لطلب الرزق من الله تعالى.
وقد فعل ـ سبحانه ـ ذلك لمصلحتكم ، كي تشكروه على نعمه ، وتخلصوا له العبادة والطاعة.
وبعد هذا الحديث عن مشاهد الكون ، عادت السورة ـ للمرة الثالثة ـ إلى الحديث عن أحوال المجرمين يوم القيامة ، فقال ـ تعالى ـ : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ).
أى : كن متذكرا ـ أيها العاقل ـ لتعتبر وتتعظ ، حال المجرمين يوم القيامة ، يوم يناديهم الله ـ تعالى ـ على سبيل التقريع والتأنيب فيقول لهم : أين شركائى الذين كنتم في دنياكم تزعمون أنهم شركائى في العبادة والطاعة.
إنهم لا وجود لهم إلا في عقولكم الجاهلة ، وأفكاركم الباطلة ، وتقاليدكم السقيمة.
قال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ ، وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ ، لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٢).
__________________
(١) تفسير الكاشف ج ٣ ص ٤٢٨.
(٢) سورة الأنعام الآية ٩٤.