ألف ـ. أى : أشرين بطرين فرهين .. (١).
أى : وأنهاكم ـ أيضا ـ عن انهماككم في نحت الحجارة من الجبال بمهارة وبراعة ، لكي تبنوا بها بيوتا وقصورا بقصد الأشر والبطر ، لا يقصد الإصلاح والشكر لله ـ فمحل النهى إنما هو قصد الأشر والبطر في البناء وفي النحت.
ثم نهاهم عن طاعة المفسدين في الأرض بعد أن أمرهم بتقوى الله فقال : (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ. الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ).
أى : اجعلوا طاعتكم لله ـ تعالى ـ وحده ، ولى بصفتى رسوله إليكم ، واتركوا طاعة زعمائكم وكبرائكم المسرفين في إصرارهم على الكفر والجحود والذين من صفاتهم أنهم يفسدون في الأرض فسادا لا يخالطه إصلاح.
قال الآلوسى : قوله : (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ.). كأنه عنى بالخطاب جمهور قومه. وبالمسرفين كبراءهم في الكفر والإضلال. وكانوا تسعة رهط .. والإسراف : تجاوز الحد في كل أمر .. والمراد به هنا : زيادة الفساد .. والمراد بالأرض : أرض ثمود. وقيل : الأرض كلها. ولما كان قوله (يُفْسِدُونَ) لا ينافي إصلاحهم أحيانا ، أردفه بقوله ـ تعالى ـ : (وَلا يُصْلِحُونَ) لبيان كمال إفسادهم. وأنه لم يخالطه إصلاح أصلا (٢).
ولكن هذا النصح الحكيم من صالح لقومه ، لم يقابل منهم بأذن صاغية ، بل قابلوه بالتطاول والاستهتار وإنكار رسالته (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ. ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ، فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
أى : قال قوم صالح له : أنت لست إلا من الذين غلب عليهم السحر ، وأثر في عقولهم ، فصاروا يتكلمون بكلام المجانين. وما أنت ـ أيضا ـ إلا بشر مثلنا تأكل الطعام كما نأكل. وتشرب الشراب كما نشرب .. فإن كنت رسولا حقا فأتنا بعلامة ومعجزة تدل على صدقك في دعواك الرسالة وكأنهم ـ لجهلهم وانطماس بصائرهم ـ يرون أن البشرية تتنافى مع النبوة والرسالة ، وتضرع صالح ـ عليهالسلام ـ إلى ربه ـ عزوجل ـ أن يمنحه معجزة لعلها تكون سببا في هداية قومه ، وأجاب الله ـ تعالى ـ تضرعه ، فقال ـ سبحانه ـ : (قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ ، وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ، وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
قال ابن كثير : ثم إنهم اقترحوا عليه آية يأتيهم بها ، ليعلموا صدقه بما جاءهم به من ربهم ، فطلبوا منه أن يخرج لهم الآن من صخرة عندهم ناقة عشراء من صفتها كذا وكذا. فعند ذلك
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٣ ص ١٢٩.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٩ ص ١١٣.