انحدر إلى هذا الفعل القبيح ، ولما فرح بعمل شيء من شأنه أن يحزن له كل عاقل.
والخطاب في قوله ـ تعالى ـ : (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) للرسول صلىاللهعليهوسلم والضمير المنصوب «هم» للمشركين.
والغمرة في الأصل : الماء الذي يغمر القامة ويسترها ، إذ المادة تدل على التغطية والستر. يقال : غمر الماء الأرض إذا غطاها وسترها. ويقال : هذا رجل غمر ـ بضم الغين وإسكان الميم ـ إذا غطاه الجهل وجعله لا تجربة له بالأمور. ويقال : هذا رجل غمر ـ بكسر الغين ـ إذا غطى الحقد قلبه والمراد بالغمرة هنا : الجهالة والضلالة ، والمعنى : لقد أديت ـ أيها الرسول ـ الرسالة ، ونصحت لقومك. وبلغتهم ما أمرك الله ـ تعالى ـ بتبليغه ، وعليك الآن أن تترك هؤلاء الجاحدين المعاندين في جهالاتهم وغفلتهم وحيرتهم (حَتَّى حِينٍ) أى : حتى يأتى الوقت الذي حددناه للفصل في أمرهم بما تقتضيه حكمتنا.
وجاء لفظ «حين» بالتنكير ، لتهويل الأمر وتفظيعه.
ثم تأخذ السورة الكريمة بعد ذلك في السخرية منهم لغفلتهم عن هذا المصير المحتوم ، الذي سيفاجئهم بما لا يتوقعون. فيقول : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ. نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ ، بَلْ لا يَشْعُرُونَ).
والهمزة في قوله (أَيَحْسَبُونَ) للاستفهام الإنكارى. و «ما» موصولة ، وهي اسم «أن» وخبرها جملة «نسارع لهم ...» والرابط مقدر أى : به.
أى : أيظن هؤلاء الجاهلون. أن ما نعطيهم إياه من مال وبنين ، هو من باب المسارعة منا في إمدادهم بالخيرات لرضانا عنهم وإكرامنا لهم؟ كلا : ما فعلنا معهم ذلك لتكريمهم ، وإنما فعلنا ذلك معهم لاستدراجهم وامتحانهم ، ولكنهم لا يشعرون بذلك. ولا يحسون به لانطماس بصائرهم ولاستيلاء الجهل والغرور على نفوسهم.
فقوله ـ سبحانه ـ (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) إضراب انتقالي عن الحسبان المذكور وهو معطوف على مقدر ينسحب إليه الكلام.
أى : ما فعلنا ذلك معهم لإكرامنا إياهم كما يظنون ، بل فعلنا ما فعلنا استدراجا لهم ، ولكنهم لا شعور لهم ولا إحساس ، وما هم إلا كالأنعام بل هم أضل.
لذا قال بعض الصالحين : من يعص الله ـ تعالى ـ ولم ير نقصانا فيما أعطاه ـ سبحانه ـ من الدنيا. فليعلم أنه مستدرج قد مكر به.