الصواب ، لأنه هو الظاهر من سياق الكلام.
قال الآلوسي ما ملخصه : قوله : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) من تتمة كلامها على ما اختاره جمع من المفسرين. كأنها استشعرت مما شاهدته اختبارها ، وإظهار معجزة لها. ولما كان الظاهر من السؤال هو الأول ، سارعت إلى الجواب بما أنبأ عن كمال عقلها ، ولما كان إظهار المعجزة دون ذلك في الظهور ، ذكرت ما يتعلق به آخرا وهو قولها : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ) وفيه دلالة على كمال عقلها ـ أيضا ـ.
والمعنى : وأوتينا العلم بكمال قدرة الله ، وصحة نبوتك من قبل هذه المعجزة أو من قبل هذه الحالة ، بما شاهدناه من أمر الهدهد. وما سمعناه من رسلنا إليك ، وكنا مؤمنين من ذلك الوقت ، فلا حاجة إلى إظهار هذه المعجزة (١).
وقوله ـ سبحانه ـ (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ ..). بيان للأسباب التي منعتها من الدخول في الإسلام قبل ذلك. و (ما) موصولة على أنها فاعل «صد».
أى : وصدها ومنعها الذي كانت تعبده من دون الله ـ تعالى ـ وهو الشمس ـ عن عبادة الله ـ تعالى ـ وحده ، وعن المسارعة إلى الدخول في الإسلام.
ويصح أن تكون (ما) مصدرية ، والمصدر هو الفاعل. أى. وصدها عبادة الشمس ، عن المسارعة إلى الدخول في الإسلام.
وجملة (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) تعليل لسببية عبادتها لغير الله ـ تعالى ـ.
أى : إن هذه المرأة كانت من قوم كافرين بالله ـ تعالى ـ ، جاحدين لنعمه ، عابدين لغيره ، منذ أزمان متطاولة ، فلم يكن في مقدورها إظهار إسلامها بسرعة وهي بينهم.
فالجملة الكريمة كأنها اعتذار لها عن سبب تأخرها في الدخول في الإسلام.
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه القصة ببيان ما فاجأها به سليمان ، لتزداد يقينا بوحدانية الله ـ تعالى ـ ، وبعظم النعم التي أعطاها ـ سبحانه ـ له فقال : (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها).
والصرح : القصر ويطلق على كل بناء مرتفع. ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ١٩ ، ص ٢٠٧.
(٢) سورة غافر الآية ٣٦.