تنظر الشيء كأنك لا تريده (١).
والتعبير بقوله ـ تعالى ـ (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) يشعر بأن أخت موسى أبصرت أخاها إبصارا فيه مخادعة لآل فرعون ، حتى لا تجعلهم يشعرون بأنها تبحث عنه.
ويشهد لذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أى : وهم ـ أى آل فرعون ـ لا يشعرون أنها أخته تبحث عنه وتتبع أخباره.
ثم بين ـ سبحانه ـ مظهرا من مظاهر حكمته وقدرته وتدبيره لأمر موسى كي يعود إلى أمه ، فقال ـ تعالى ـ. (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ ...).
والمراد بالتحريم هنا : المنع ، والمراضع : جمع مرضع ـ بضم الميم وكسر الضاد ـ وهي المرأة التي ترضع.
أى : ومنعنا موسى بقدرتنا وحكمتنا من أن يرضع من المرضعات وكان ذلك من قبل أن تعلم بخبره أمه وأخته.
قال ابن كثير : قوله ـ تعالى ـ : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ) أى : تحريما قدريا ، وذلك لكرامة الله له ، صانه عن أن يرتضع غير ثدي أمه ، لأنه ـ سبحانه ـ جعل ذلك سببا إلى رجوعه إلى أمه ، لترضعه وهي آمنة بعد أن كانت خائفة .. (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) حكاية لما قالته أخت موسى لفرعون وحاشيته ، والاستفهام للتحضيض.
أى : وبعد أن بصرت أخت موسى به عن جنب ، ورأت رفضه للمراضع ، وبحثهم عمن يرضعه ، قالت : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) أى : يقومون بتربيته وإرضاعه من أجل راحتكم وراحته ، (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) أى : وهم لا يمنعونه ما ينفعه في تربيته وغذائه ، ولا يقصرون فيما يعود عليه بالخير والعافية.
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) معطوف على كلام محذوف ، والتقدير : فسمعوا منها ما قالت ، ودلتهم على أمه ، فرددناه إليها ، كي يطمئن قلبها وتقر عينها برجوع ولدها إليها ، ولا تحزن لفراقه.
ولتعلم أن وعد الله ـ تعالى ـ حق ، أى : أن وعده ـ سبحانه ـ لا خلف فيه ، بل هو كائن لا محالة.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٠ ص ٥٠.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٢٣٣.