وقوله (فَبَغى عَلَيْهِمْ) من البغي وهو مجاوزة الحد في كل شيء. يقال : بغى فلان على غيره بغيا ، إذا ظلمه واعتدى عليه. وأصله من بغى الجرح ، إذا ترامى إليه الفساد.
والمعنى : إن قارون كان من قوم موسى ، أى : من بنى إسرائيل الذين أرسل إليهم موسى كما أرسل إلى فرعون وقومه.
(فَبَغى عَلَيْهِمْ) أى : فتطاول عليهم ، وتجاوز الحدود في ظلمهم وفي الاعتداء عليهم.
ولم يحدد القرآن كيفية بغيه أو الأشياء التي بغى عليهم فيها ، للإشارة إلى أن بغيه قد شمل كل ما من شأنه أن يسمى بغيا من أقوال أو أفعال.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) بيان لما أعطى الله ـ تعالى ـ لقارون من نعم.
والكنوز : جمع كنز وهو المال الكثير المدخر ، و (ما) موصولة. وهي المفعول الثاني لآتينا.
وصلتها (إِنَ) وما في حيزها. وقوله : (مَفاتِحَهُ) جمع مفتح ـ بكسر الميم وفتح التاء ـ وهو الآلة التي يفتح بها ـ أو جمع مفتح ـ بفتح الميم والتاء ـ بمعنى الخزائن التي تجمع فيها الأموال.
وهو ـ أى لفظ مفاتحه ـ اسم إن ، والخبر : (لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ).
وقوله (لَتَنُوأُ). أى لتعجز أو لتثقل. يقال : ناء فلان بحمل هذا الشيء ، إذا أثقله حمله وأتعبه : والباء في قوله (بِالْعُصْبَةِ) للتعدية والعصبة : الجماعة من الناس من غير تعيين بعدد معين ، سموا بذلك لأنهم يتعصب بعضهم لبعض ومنهم من خصها في العرف ، بالعشرة إلى الأربعين.
والمعنى : وآتينا قارون ـ بقدرتنا وفضلنا ـ من الأموال الكثيرة ، ما يثقل حمل مفاتح خزائنها ، العصبة من الرجال الأقوياء ، بحيث تجعلهم شبه عاجزين عن حملها.
قال صاحب الكشاف : وقد بولغ في ذكر ذلك ـ أى في كثرة أمواله ـ بلفظ الكنوز ، والمفاتح ، والنوء ، والعصبة ، وأولى القوة (١).
والمراد بالفرح في قوله ـ سبحانه ـ : (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ) : البطر والأشر والتفاخر على الناس ، والاستخفاف بهم واستعمال نعم الله ـ تعالى ـ في السيئات والمعاصي.
__________________
(١) تفسير الكاشف ج ٣ ص ٦٣٠.