ـ سبحانه ـ : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ). وببيان أنه ـ تعالى ـ قد جعله خليفة في الأرض.
ومن الأحاديث التي وردت في فضله ـ عليهالسلام ـ ما أخرجه البخاري في تاريخه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا ذكر داود ، وحدث عنه قال : «كان أعبد البشر».
وأخرجه الديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لا ينبغي لأحد أن يقول إنى أعبد من داود».
٢ ـ أن قصة الخصمين اللذين تسورا على داود المحراب ، قصة حقيقية ، وأن الخصومة كانت بين اثنين من الناس في شأن غنم لهما ، وأنهما حين دخلا عليه بتلك الطريقة الغريبة التي حكاها القرآن الكريم ، فزع منها داود ـ عليهالسلام ـ وظن أنهما يريدان الاعتداء عليه ، وأن الله ـ تعالى ـ يريد امتحانه وثباته أمام أمثال هذه الأحداث.
فلما تبين لداود بعد ذلك أن الخصمين لا يريدان الاعتداء عليه ، وإنما يريدان التحاكم إليه في مسألة معينة ، استغفر ربه من ذلك الظن السابق ـ أى ظن الاعتداء عليه فغفر الله ـ تعالى ـ له ..
والذي يتدبر الآيات الكريمة يراها واضحة وضوحا جليا في تأييد هذا المعنى.
قال أبو حيان ما ملخصه ـ بعد أن ذكر جملة من الآراء ـ : والذي أذهب إليه ما دل عليه ظاهر الآية من أن المتسورين للمحراب كانوا من الإنس ، دخلوا عليه من غير المدخل ، وفي غير وقت جلوسه للحكم وأنه فزع منهم ظانا أنهم يغتالونه ، إذ كان منفردا في محرابه لعبادة ربه ، فلما اتضح له أنهم جاءوا في حكومته ، وبرز منهم اثنان للتحاكم ... وأن ما ظنه غير واقع ، استغفر من ذلك الظن ، حيث اختلف ولم يقع مظنونه ، وخر ساجدا منيبا إلى الله ـ تعالى ـ فغفر الله له ذلك الظن ، ولذلك أشار بقوله : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) ولم يتقدم سوى قوله ـ تعالى ـ : (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) ويعلم قطعا أن الأنبياء معصومون من الخطايا ، ولا يمكن وقوعهم في شيء منها ، ضرورة أننا لو جوزنا عليهم شيئا من ذلك لبطلت الشرائع ، ولم نثق بشيء مما يذكرون أنه أوحى الله به إليهم ، فما حكى الله ـ تعالى ـ في كتابه. يمر على ما أراده ـ تعالى ـ ، وما حكى القصاص مما فيه غض من منصب النبوة ، طرحناه .. (١).
٢ ـ ومع أن ما ذكرناه سابقا ، وما نقلناه عن الإمام أبى حيان ، هو المعنى الظاهر من الآيات ، وهو الذي تطمئن إليه النفس ، لأنه يتناسب مع مكانة داود ـ عليهالسلام ـ ، ومع ثناء الله ـ تعالى ـ عليه وتكريمه له.
__________________
(١) تفسير البحر المحيط لأبى حيان ج ٧ ص ٣٩٣.