ومن قال إنهم كانوا ملائكة معرضين بأمر النساء. فقد كذب على الله ـ تعالى ـ ما لم يقل ، وزاد في القرآن ما ليس فيه .. لأن الله ـ تعالى ـ يقول : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) فقال هو : لم يكونوا خصمين. ولا بغى بعضهم على بعض. ولا كان لأحدهما تسع وتسعون نعجة. ولا كان للآخر نعجة واحدة ولا قال له : (أَكْفِلْنِيها ...) (١).
٤ ـ هذا : وهناك أقوال أخرى ذكرها المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآيات. منها : أن استغفار داود ـ عليهالسلام ـ إنما كان سببه أنه قضى لأحد الخصمين قبل أن يسمع حجة الآخر.
قال الإمام الرازي ما ملخصه : لم لا يجوز أن يقال إن تلك الزلة التي جعلت داود يستغفر ربه ـ إنما حصلت لأنه قضى لأحد الخصمين ، قبل أن يسمع كلام الخصم الآخر ، فإنه لما قال له : «لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ..» فحكم عليه بكونه ظالما بمجرد دعوى الخصم بغير بينة لكون هذا الخصم مخالفا للصواب ، فعند هذا اشتغل داود بالاستغفار والتوبة ، إلا أن هذا من باب ترك الأولى والأفضل (٢).
والذي نراه أن هذا القول بعيد عن الصواب ، ولا يتناسب مع منزلة داود ـ عليهالسلام ـ الذي آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب ، وذلك لأن من أصول القضاء وأولياته ، أن لا يحكم القاضي بين الخصمين أو الخصوم إلا بعد سماع حججهم جميعا ، فكيف يقال بعد ذلك أن داود قضى لأحد الخصمين قبل أن يستمع إلى كلام الآخر.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف سارع داود إلى تصديق أحد الخصمين ، حتى ظلم الآخر قبل استماع كلامه؟.
قلت : ما قال داود ذلك إلا بعد اعتراف صاحبه ، ولكنه لم يحك في القرآن لأنه معلوم. ويروى أنه قال : أريد أخذها منه وأكمل نعاجى مائة فقال داود : إن رمت ذلك ضربنا منك هذا وهذا. وأشار إلى طرف الأنف والجبهة .. (٣).
ومنهم من يرى ، أن استغفار داود ـ عليهالسلام ـ كان سببه : أن قوما من الأعداء أرادوا قتله ، فتسوروا عليه المحراب ، فلما دخلوا عليه لقصد قتله وجدوا عنده أقواما. فلم يستطيعوا تنفيذ ما قصدوه ، وتصنعوا هذه الخصومة فعلم داود قصدهم ، وعزم على الانتقام
__________________
(١) راجع تفسير القاسمى ج ١٤ ص ٥٠٨٩.
(٢) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ١٨٢.
(٣) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٨٧.