والجملة الكريمة معطوفة على قوله قبل ذلك : (ارْكُضْ) أو على (وَهَبْنا) بتقدير : وقلنا له.
والضغث في اللغة : القبضة من الحشيش اختلط فيها الرطب باليابس. وقيل : هي قبضة من عيدان مختلفة يجمعها أصل واحد.
والحنث : يطلق على الإثم وعلى الخلف في اليمين.
والآية الكريمة تفيد أن أيوب ـ عليهالسلام ـ قد حلف أن يضرب شيئا وأن عدم الضرب يؤدى إلى حنثه في يمينه ، أى : إلى عدم وفائه فيما حلف عليه ، فنهاه الله ـ تعالى ـ عن الحنث في يمينه ، وأوجد له المخرج الذي يترتب عليه البر في يمينه دون أن يتأذى المضروب بأى أذى يؤلمه.
وقد ذكروا فيمن وقع عليه الضرب وسبب هذا الضرب ، روايات لعل أقربها إلى الصواب ، أن أيوب أرسل امرأته في حاجة له فأبطأت عليه ، فأقسم أنه إذا برىء من مرضه ليضربنها مائة ضربة ، وبعد شفائه رخص له ربه أن يأخذ حزمة صغيرة ـ وهي المعبر عنها بالضغث ـ وبها مائة عود ، ثم يضرب بها مرة واحدة ، وبذلك يكون قد جمع بين الوفاء بيمينه ، وبين الرحمة بزوجته التي كانت تحسن خدمته خلال مرضه ، وتقوم بواجبها نحوه خير قيام.
والمعنى : وهبنا له بفضلنا ورحمتنا أهله ومثلهم معهم ، وقلنا له بعد شفائه خذ بيدك حزمة صغيرة من الحشيش فيها مائة عود ، فاضرب بها من حلفت أن تضربه مائة ضربة ، وبذلك تكون غير حانث في يمينك.
هذا وقد تكلم العلماء عن هذه الرخصة. أهي خاصة بأيوب ، أم هي عامة للناس؟.
فقال بعضهم : إذا حلف الشخص أن يضرب فلانا مائة جلدة ، أو أن يضربه ضربا غير شديد ، فيكفيه مثل هذا الضرب المذكور الذي جاء في الآية ؛ لأن شرع من قبلنا شرع لنا.
وقال آخرون : هذه الرخصة خاصة بأيوب ـ عليهالسلام ـ ولا تنسحب إلى غيره ، لأن الخطاب إليه وحده. ولأن الله ـ تعالى ـ لم يبين لنا في الآية كيفية اليمين ، ولا من يقع عليه الضرب (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه جعل لعبده أيوب هذا المخرج لصبره وكثرة رجوعه إلى ما يرضيه ـ تعالى ـ فقال : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٥ ص ٢١٢. وتفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ٢٠٨.