ويصح أن تكون «أم» متصلة. وقد حذف معادلها ثقة بدلالة الكلام عليه ، فيكون المعنى :
أهذا الكافر الذي جعل لله أندادا ليضل عن سبيله أحسن حالا ، أم الذي هو ملازم للطاعات آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه؟
ووصف القنوت بأنه في آناء الليل ، لأن العبادة في تلك الأوقات أقرب إلى القبول وقدم السجود على القيام ، لأن السجود أدخل في معنى العبادة.
قال الآلوسى ما ملخصه : وقد ذكروا أن هذه الآية نزلت في عثمان بن عفان ، وقيل في عمار بن ياسر .. والظاهر أن المراد المتصف بذلك من غير تعيين ، ولا يمنع من ذلك نزولها فيمن علمت ، وفيها دليل على فضل الخوف والرجاء.
وقد أخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس قال : دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على رجل وهو في الموت ، فقال له : كيف تجدك؟
قال : أرجو وأخاف. فقال صلىاللهعليهوسلم : «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الذي يرجو ، وآمنه الذي يخاف» (١).
ثم نفى ـ سبحانه ـ أيضا المساواة بين العالم والجاهل فقال : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المشركين الذين جعلوا لله أندادا : إنه لا يستوي عند الله ـ تعالى ـ المشرك والمؤمن ، ولا يستوي عنده ـ أيضا ـ الذين يعلمون الحق ، ويعملون بمقتضى علمهم ، والذين لا يعلمونه ويعملون بمقتضى جهلهم وضلالهم ، ويعرضون عن كل من يدعوهم إلى الحق وإلى الصراط المستقيم.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) أى : إنما يعتبر ويتعظ بهذه التوجيهات والإرشادات ، أصحاب العقول السليمة والمدارك القويمة. ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يذكر المؤمنين بأن يواظبوا على إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ وأن يهاجروا إلى الأرض التي يتمكنون فيها من نشر دينه وإعلاء كلمته ، وأن ينذر المشركين بسوء المصير إذا ما استمروا في كفرهم وضلالهم .. فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ٢٤٧.