أى : لأصحاب العقول السليمة ، والأفكار القويمة.
والمقصود من هذه الآية الكريمة ، التحذير من الانهماك في الحياة الدنيا ومتعها ، حيث شبهها ـ سبحانه ـ في سرعة زوالها وقرب اضمحلالها ـ بالزرع الذي يبدو مخضرا وناضرا ... ثم يعقب ذلك الجفاف والذبول والاضمحلال.
وفي هذا المعنى وردت آيات كثيرة ، منها قوله ـ تعالى ـ : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ ، فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ ، وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) (١).
ثم نفى ـ سبحانه ـ المساواة بين المؤمن والكافر ، وبين المهتدى والضال فقال : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ..).
أى : أفمن شرح الله ـ تعالى ـ صدره للإسلام ، وجعله مستعدا لقبول الحق فهو بمقتضى هذا الشرح والقبول صار على نور وهداية من ربه ، كمن قسا قلبه وغلظ ، وأصبح أسيرا للظلمات والأوهام ..
لا شك أنهما لا يستويان في عقل أى عاقل.
فالاستفهام للإنكار والنفي ، و «من» اسم موصول مبتدأ ، والخبر محذوف لدلالة قوله ـ تعالى ـ (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) عليه.
أى : فهلاك وخزي لأولئك المشركين الذين قست قلوبهم من أجل ذكر الله ـ تعالى ـ ، الذي من شأنه أن تلين له القلوب ، ولكن هؤلاء الكافرين إذا ما ذكر الله ـ تعالى ـ ، اشمأزت قلوبهم ، وقست نفوسهم ، لانطماس بصائرهم. واستحواذ الشيطان عليهم.
ومنهم من جعل «من» في قوله (مِنْ ذِكْرِ اللهِ) بمعنى عن. أى : فويل للقاسية قلوبهم عن قبول ذكر الله وطاعته وخشيته.
قال صاحب الكشاف : قوله : (مِنْ ذِكْرِ اللهِ) أى : من أجل ذكره ، أى : إذا ذكر الله عندهم أو آياته اشمأزوا ، وازدادت قلوبهم قساوة ، كقوله ـ تعالى ـ : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) وقرئ : عن ذكر الله.
فإن قلت : ما الفرق بين من وعن في هذا؟ قلت : إذا قلت قسا قلبه من ذكر الله ، فالمعنى ما ذكرت ، من أن القسوة من أجل الذكر وبسببه. وإذا قلت : عن ذكر الله ، فالمعنى : غلظ
__________________
(١) سورة الكهف آية ٤٥.