سبحانه ـ امتثالا تاما وله ـ تعالى ـ أن يقسم بما شاء من خلقه ، تنويها بشأن المقسم ، ولفتا لأنظار الناس إلى ما فيه من منافع.
ولفظ «الصافات» مفعوله محذوف. والتقدير ، وحق الملائكة الصافات نفوسها أو أجنحتها طاعة وامتثالا لأمر الله ـ تعالى ـ.
والترتيب بالفاء في هذه الصفات ، على سبيل الترقي ، إذ الأولى كمال ، والثانية أكمل ، لتعدى منفعتها إلى الغير ، والثالثة أكمل وأكمل ، لتضمنها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والتخلي عن الرذائل ، والتحلي بالفضائل.
وقوله «صفا ، وزجرا ، وذكرا» مصادر مؤكدة لما قبلها.
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) جواب للقسم ، وهو المقسم عليه. أى : وحق الملائكة الذين تلك صفاتهم ، إن ربكم ـ أيها الناس ـ لواحد لا شريك له في ذاته ، ولا في صفاته ولا في أفعاله ، ولا في خلقه.
وقوله : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) بدل من قوله (لَواحِدٌ) أو خبر بعد خبر لمبتدأ محذوف.
أى : إن إلهكم ـ أيها الناس ـ لواحد : هو ـ سبحانه ـ رب السموات والأرض ، ورب ما بينهما من مخلوقات كالهواء وغيره ، ورب المشارق التي تشرق منها الشمس في كل يوم على مدار العام ، إذ لها في كل يوم مشرق معين تشرق منه. ولها في كل يوم ـ أيضا مغرب تغرب فيه.
واكتفى هنا بذكر المشارق عن المغارب ، لأن كل واحد منهما يستلزم الآخر ، ولأن الشروق أدل على القدرة ، وأبلغ في النعمة ، ولأن الشروق سابق على الغروب ، وقد قال ـ تعالى ـ في آية أخرى : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) (١).
والمراد بهما هنا جنسهما ، فهما صادقان على كل مشرق من مشارق الشمس التي هي ثلاثمائة وستون مشرقا ـ كما يقول العلماء ـ وعلى كل مغرب من مغاربها التي هي كذلك.
وقال في سورة الرحمن : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) أى : مشرق الشتاء ومشرق الصيف ومغربهما ، أو مشرق الشمس والقمر ومغربهما.
وبذلك يتبين أنه لا تعارض بين مجيء هذه الألفاظ تارة مفردة ، وتارة على سبيل التثنية ،
__________________
(١) سورة المزمل الآية ٩.