فالشوب : الخلط يقال : شاب فلان طعامه ، إذا خلطه بغيره.
والحميم : الماء الذي بلغ الغاية في الحرارة. فطعامهم ـ والعياذ بالله ـ قد اجتمع فيه مرارة الزقوم وحرارة الماء وهذا أشنع ما يكون عليه الطعام.
ثم بين ـ سبحانه ـ مصيرهم الدائم فقال. (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) أى : ثم إن مرجعهم ومصيرهم ومقرهم الدائم بعد كل ذلك لإلى دركات الجحيم لا إلى غيرها.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك الأسباب التي أدت بهم إلى هذا المصير السيئ فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ : فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ).
وقوله : (أَلْفَوْا) من الإلف للشيء بمعنى التعود عليه بعد وجوده وحصوله.
وقوله : (يُهْرَعُونَ) من الإهراع بمعنى الإسراع الشديد ، أو الإسراع الذي تصحبه رعدة وفزع ، يقال : هرع وأهرع ـ بالبناء للمجهول فيهما ـ إذا استحث وأزعج ، ويقال : فلان يهرع ـ بضم الياء ـ إذا جاء مسرعا في غضب أو ضعف أو خوف.
أى : إن ما أصاب هؤلاء الكافرين من عذاب أليم ، سببه أنهم وجدوا آباءهم مقيمين على الضلال ، فاقتدوا بهم اقتداء أعمى ، وساروا خلفهم وعلى آثارهم بسرعة وبغير تدبر أو تعقل ، كما يسير الأعمى خلف من يذهب به إلى طريق هلاكه.
فالآيتان الكريمتان توبيخ شديد لهؤلاء الكافرين ، لأنهم لم يكتفوا بتقليد آبائهم في الضلال ، بل أسرعوا إلى ذلك إسراعا لا تمهل معه ولا تدبر.
ثم بين ـ سبحانه ـ أحوال السابقين عليهم فقال : (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ).
أى : ولقد ضل قبل هؤلاء الظالمين من قومك ـ أيها الرسول الكريم ـ أكثر الأقوام السابقين الذين أرسلنا إليهم رسلنا لهدايتهم.
وفي التعبير بقوله : (أَكْثَرُ) إنصاف ومدح للقلة المؤمنة التي اتبعت الحق.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) أى : ولقد أرسلنا في هؤلاء الأقوام السابقين أنبياء كثيرين ينذرونهم ويخوفونهم من عاقبة الكفر والشرك ، ولكن أكثر هؤلاء الأقوام لم يستجيبوا للحق.
(فَانْظُرْ) ـ أيها الرسول الكريم ـ (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) أى : فانظر وتأمل كيف كانت عاقبة هؤلاء الذين أنذروا فلم يستجيبوا للحق ، لقد كانت عاقبتهم أن دمرناهم تدميرا (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) أى : دمرنا هؤلاء الأقوام إلا عبادنا الذين أخلصوا لنا العبادة والطاعة فقد أنجيناهم بفضلنا ورحمتنا.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ بعد ذلك قصص بعض الأنبياء السابقين مع أقوامهم لتثبيت فؤاد