إما موضع الحال أي أترابا حالة كونهن لأصحاب اليمين ، وإما متعلق بأتراب ، أي هن من تراب أصحاب اليمين الرجال ، أي النشأ أتراب الرجال في السن والقد ، فإن قلت : تقييده بأصحاب اليمين على كل تقدير يبقى ذلك على السابقين ، وقد قال في تنعيمهم (وَحُورٌ عِينٌ) ، قلت : أصحاب اليمين أخفض رتبة من السابقين ، فإذا ثبت لهم هذا فأحرى.
قوله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ).
أي جماعة من الأولين في الجنة ، وجماعة من هذه الأمة فيها ، قيل : في الجمع بينها على هذا وبين قوله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) ، وقليل من الآخرين ، أجيب : احتمال أن يريد أهل الجنة بالنوع لا بالشخص ، أي منكم الثلثان ، ومنكم الثلث ، فأنتم أكثر من كل أمة على حدتها ، قيل : بل ظاهر أنهم أكثر من مجموع الأمم ، أجيب : بأن الثلة مقولة بالتشكيك تطلق على الجماعة الكثيرة والقليلة ، ولا تنافي بين الاثنين.
قوله تعالى : (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ).
هذه الآية وأمثالها حجة لمن جعل الصحبة حقيقة في معناها الأخص لا الأعم ، فإن قلت : نقلها عندهم من التواطؤ أو التشكيك ، فهي في الأخص أولى ، قلت : إذا تعارض حمل اللفظ على معناه حقيقة أو بطريق التواطؤ أو التشكيك ، فحمله على الحقيقة أولى ، فإن قلت : لعله مشترك ، أو منقول اصطلاحا من المعنى الأخص إلى الأعم ، قلت : من شرط النقل اتفاق أهل الاصطلاح على الشيء الذي نقل إليه ، كما في الصلاة والنكاح والغائط ، والمحدثون مختلفون في مسمى الصاحب ، وسماهم أصحاب الشمال ، لما في حديث الإسراء في آدم عليهالسلام : " أنه عن يمينه أسودة ، وعن يساره أسودة" (١) ، أو لغير ذلك.
قوله تعالى : (فِي سَمُومٍ).
__________________
(١) أخرجه البخاري في صحيحه حديث رقم : ٣١١٦ ، ٣٣٩ ، ومسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٢٣٨ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٢٠٧١١ ، والبيهقي في دلائل النبوة حديث رقم : ٦٨٧ ، وأبو نعيم الأصبهاني في المسند المستخرج على صحيح مسلم حديث رقم : ٣٢٥ ، وأبو عوانة الإسفرائيني في مسنده حديث رقم : ٢٦٤ ، وابن حبان في صحيحه حديث رقم : ٧٥٤٥ ، وأبو يعلى الموصلي في مسنده حديث رقم : ٣٥٢١.