أخر ، وانتفاء المسبب يدل على انتفاء كل سبب ، فإنما يمتنع الأول لامتناع الثاني ، لأن امتناع الثاني هو السبب ، فيدل انتفاؤه على انتفاء السبب الأول.
قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا).
دل امتناع الفساد على امتناع الإلهية وبدليل جواز ، قولنا : لكان حيوانا فيقتضي كونه إنسانا لانتفاء الحيوانية ، ولو كان كما قاله النحويون : لما جاء أن يتكلم بذلك ، انتهى ، ويلزمه أيضا انتفاء اللازم لانتفاء الملزوم ، لأن كونه حيوانا لازم لكونه إنسانا والحال الكلام عليها في الكتابين لما يرجع إلى هذا ، والمقصود إنما هو العلم لا الوجود الخارجي ، فعلمنا بأن النبات لم يجعل حطاما ، دليل على أن الله تعالى لم يشأ حطاما ، ولو شاءه لوقع كذلك.
قوله تعالى : (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ).
أي تعجبون وتقدمون ، وتقولون (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) ، أي لملزومون غرامه ، ما اثبتنا ، وقيل : أي لمهلكون ، والأول أصوب ، لأن الإضراب يكون فيه الثاني أشد وأقوى من المضروب عنه ، ولا أشد من الهلاك.
قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ).
عين هنا المشروب ، وقال : فيما سبق (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) ، ولم يقل : أفرأيتم الحب الذي تحرثون؟ لأن المحروث شيء واحد ، وهو الحب ، والمشروب متعدد فاللبن مشروب ، وكذلك العسل ، قال تعالى (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ) [سورة النحل : ٦٩] ، فإن قلت : لم قال (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ) بلفظ الماضي ، وقال : قبله (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) بلفظ المستقبل؟ فالجواب : أن المراد أفرأيتم ما الذي أنتم متمكنون من شربه ، والتمكن من شرب الماء متأخر عن لا تلبث حتى تحرث ، فإن قلت : يعارض هذا التقدير بأن الزراعة أيضا متعددة على الحرث ، لأن الحب المحروث كان قبل ذلك زرعا ثم صار حبا ، قلت : يلزم على هذا الدور التسلسل ، وذلك محال ، لأن الحب المحروث متأخر عن كونه زرعا ، وكونه زرعا متأخر عن كونه حبا ، وكونه حبا متأخر عن كونه زرعا ، إلى إلا نهاية ..... (١) عمله فلذلك أكد جعله الزرع حطاما باللام ، ولم يؤكد جعل الماء أجاجا تأكيدا لكمال قدرة الله تعالى ، وإنه لا يعجزه شيء ، وأجاب الزمخشري : بوجهين آخرين :
__________________
(١) طمس في المخطوطة.