قوله تعالى : (نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً).
الزمخشري : أي تذكركم بنار الآخرة لتعتبروا ، انتهى ، إنما المراد أنها تذكركم بوجود الصانع لها ووحدانيته ، واتصافه بصفات الكمال ، لكونها أخرجها من الشجر الأخضر ، وأنها لا تحرق الطبع ، ولو كانت كذلك لما فارقها الإحراق ، ويبعد لما قال الزمخشري : ومثله لابن عطية ، لأن الدار الآخرة إنما علمناها ، وعلمنا نارها ، وعذابها سمعا لا عقلا ، [٧٤ / ٣٦٤] فعبر بالاسم لملازمتهم للمداهنة ، ثم قال (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) ، فعبر بالفعل لتحدد الرزق ، وتكرره واختلاف أنواعه.
قوله تعالى : (الْحُلْقُومَ).
ابن عطية : الحلقوم مجرى الطعام ، وعند الفقهاء : مجرى النفس فقط ، وهي الكرجومة ، ومجرى الطعام هو البلعوم ، وهو أبو حشيشة ، ويسمونه المريء.
قوله تعالى : (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ).
قيل : أي لا تبصروننا ، وقيل : لا تبصرون ملائكتنا ، قال السلمي في التذكرة :
هذه الآية تبطل مذهب المجسمة لا تأخذ أشخاصا متعددين يموتون في مواضع شتى متباعدة في زمن واحد ، فلو كان الله تعالى جسما ، للزم عليه حلول الواحد في الزمن الواحد في أماكن متعددة ، انتهى ، ويجاب بلزوم مثله في ملك الموت ، لأنه جسم ، وهو الذي يتولى قبض الأرواح كلها ، والدنيا بين يديه كالطبق بين يدي من يأكل منه.
قوله تعالى : (مَدِينِينَ).
أي غير مملوكين ، ولا مقهورين.
قوله تعالى : (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ).
عبر عنهم بوصفهم ، وقال قبلها (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) ، فعبر عن الفريقين بحكمهم ، فهلا قيل هنا : وأما إن كان من أصحاب الشمال ، أو نحوه ، والجواب : أنه عبر عن الأولين بحكمهم ، لأنه لو عبر عنهم بوصفهم لا وهم إن ما رتب على ذلك من الثواب جزاء عما اتصفوا به من الطاعة ، ومذهبنا أن الثواب على الأعمال محض تفضيل من الله تعالى ، وعبر عن هؤلاء بوصفهم إشارة إلى أن تعذيب العاصي عدل ، وجزاء عن عمله ، فإن قلت : لم قدم التكذيب على الضلال ، وقال في أول السورة (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ) [سورة الواقعة : ٥٠] ، فقدم الضلال؟ فالجواب : أن الضلال أعم من التكذيب ، فيصدق على الضلال عن نفس الحق وعن الضلال عن طرقه ودلائله فبدأ هناك بالأعم