وثانيا : ان فرض الكلام هو العلم بكذب احدهما فقط ، لا العلم بكذب احدهما وصدق الآخر ، فلا يعلم بموافقة الآخر للواقع حتى يكون الخبر المعلوم موافقته للواقع هو الحجة والخبر غير الموافق للواقع ليس بحجة ، ليكون من قبيل اشتباه الحجة باللاحجة.
والحاصل : ان فرض الكلام هو عدم موافقة احدهما للواقع ، واما الآخر فيمكن ان يكون موافقا ويمكن ان لا يكون موافقا ، فليس في فرض الكلام لنا علم بموافقة احد الخبرين للواقع حتى يكون هو الحجة بخصوصه ، ويكون من قبيل اشتباه الحجة باللاحجة.
وثالثا : ان مجرد الموافقة للواقع لا تكفي في كون الخبر الموافق له حجة بالفعل ، بل الحجة الفعلية متقومة بوصول الواقع بالخبر وتنجزه به ، وحيث لم يعلم المنجز للواقع منهما والموصل له ، فمجرد كون احدهما موافقا للواقع من دون كون الواقع واصلا به ومنجزا به لا يوجب كون احدهما هو الحجة الفعلية ، فلم يبق لنا إلّا احتمال الموافقة وهو موجود في كل واحد من الخبرين ، فلا يكون المقام من قبيل اشتباه الحجة باللاحجة.
ومنها : كون الحجة هو احدهما من غير تعيين ، وهو الذي يظهر من المتن اختياره.
والوجه فيه هو ان المقتضي للحجية موجود في كل واحد من الخبرين ، لان المقتضي للحجية في الخبر هو احتمال اصابته الواقع شخصا وغلبة اصابته نوعا ، وهذا المعنى موجود في كل واحد من الخبرين ، والمانع عن تأثير هذا الاقتضاء في كل واحد من الخبرين هو العلم الاجمالي بكذب احدهما ، وهذا المانع متساوي النسبة الى كل واحد من المقتضيين الموجودين في الخبرين ، واذا كان المقتضي موجودا في كل واحد من الطرفين ، وكان المانع متساوي النسبة اليهما ، ولم يكن مانعا عن كل واحد منهما بخصوصه ، ولم يكن ايضا مانعا عن احدهما المعين بخصوصه ، كان