ولا يخفى ما في الاستدلال بها : أما الاول : فإن جعل خصوص شيء فيه جهة الاراءة والطريقية حجة أو مرجحا لا دلالة فيه على أن الملاك فيه بتمامه جهة إراءته ، بل لا إشعار فيه كما لا يخفى ، لاحتمال دخل خصوصيته في مرجحيته أو حجيته ، لا سيما قد ذكر فيها ما لا يحتمل الترجيح به إلا تعبدا (١) ،
______________________________________________________
فلا بد من التعدّي لكل ما كان الريب فيه اقل ، ومن الواضح ان كل ما كان اقرب الى الواقع من غيره فلا بد من كون الريب فيه اقل من غيره.
الوجه الثالث : التعليل الوارد لترجيح ما خالف العامة وهو كون الرشد في خلافهم ، فان المراد من الرشد في الخبر المخالف للعامة هو الاقربيّة للواقع ، لوضوح كون الرشد على خلاف الخبر الموافق للعامة هو مخالفتهم للواقع في احكامهم ، فالمراد من الرشد هو الموافقة للواقع ، والمراد من خلافهم للرشد هو المخالفة منهم للواقع ، فانما يترجّح الخبر المخالف لهم لان فيه قرب الموافقة للواقع ، وانما يكون الخبر الموافق لهم مرجوحا لكونه موافقا لما هو بعيد عن الواقع. فهذا التعليل يدل على ان المناط للترجيح هو القرب الى الواقع ، وعليه فلا بد من التعدّي لكل مزية توجب القرب الى الواقع لتحقق مناط الترجيح فيه.
(١) اورد المصنف على الوجه الاول بايرادين : الاول : ان وجه الاستدلال به ـ كما مرّ ـ هو ان الظاهر من الأصدقيّة والاوثقية ان الترجيح بهما لا لاخذهما على نحو الموضوعية وبما هما صفة من الصفات النفسيّة ، بل المناط في اخذهما جهة تعلّقهما بالواقع وإراءتهما عنه ومطابقتهما له ، فيتعدّى منهما الى كلّ مزيّة توجب قوة احتمال المطابقة للواقع والاراءة عنه والقرب اليه.
ويرد عليه : ان ترجيح احدى الحجتين في مقام المعارضة هو على طبق جعل الحجية ، فكما ان جعل الحجية لخبر الثقة لا يقتضي التعدّي عنه لحجية مطلق ما يوجب الوثوق من الظنون ، لاحتمال خصوصية لخبر الثقة دون سائر الظنون الموجبة للوثوق ، فكذلك الترجيح لاوثقيّة المخبر على غيره الذي ليس مثله في الاوثقية