فقال له أبي : يا عمّ! إنّي أرى في وجهك سفعة (١) من غضب! قال : أجل ، كان لي على فلان الحراميّ (٢) مال ، فأتيت أهله فسلّمت ، فقلت : أثمّة هو؟ (٣) قالوا : لا. فخرج عليّ ابن له جفر (٤) ، فقلت : أين أبوك؟ فقال : سمع صوتك فدخل أريكة أمّي (٥)! فقلت : اخرج إليّ ، فقد علمت أين أنت! فخرج ، فقلت : ما حملك على أن اختبأت؟ قال : أنا ـ والله ـ أحدّثك ولا أكذبك ، خشيت ـ والله ـ أن أحدّثك فأكذبك ، وأعدك فأخلفك ، وكنت صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكنت ـ والله ـ معسرا! قال : قلت : آلله ، وكنت معسرا؟ قال : آلله! فقلت : آلله! قال : آلله ، وكرّر ذلك.
وعند ذلك نشر الصحيفة فمحى الحقّ ، وقال : إن وجدت قضاء فاقضني ، وإلّا فأنت في حلّ! قال : فأشهد لبصرت عيناي هاتان ـ ووضع إصبعيه على عينيه ـ وسمعت أذناي هاتان ـ ووضع إصبعيه في أذنيه ـ ووعاه قلبي ـ وأشار إلى نياط قلبه ـ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يقول : «من أنظر معسرا أو وضع عنه ، أظلّه الله في ظلّه».
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم. قال : وكذلك روي مختصرا عن زيد بن أسلم وربعيّ بن حراش وحنظلة بن قيس ، كلّهم عن أبي اليسر (٦).
[٢ / ٨١٤٦] وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده ومسلم وابن ماجة عن أبي اليسر : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «من أنظر معسرا أو وضع عنه ، أظلّه الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه» (٧).
[٢ / ٨١٤٧] وروى العيّاشي بالإسناد إلى القاسم بن سليمان عن أبي عبد الله عليهالسلام : «أنّ أبا اليسر ، رجل من الأنصار من بني سليمة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أيّكم يحبّ أن ينفصل من فور جهنّم؟
__________________
(١) السّفعة : تغيّر لون الوجه إلى حمرة تقرب إلى السواد.
(٢) نسبة إلى بني حرام. وقيل حزامي. وقيل : جذامي.
(٣) أي هل هو هنا؟
(٤) هو الّذي قارب البلوغ.
(٥) سرير فاخر مزيّن.
(٦) أخرجه مسلم في الصحيح (٣٠٠٦) ٨ : ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، في كتاب الزهد ، من حديث جابر الطويل وقصّة أبي اليسر ؛ وشرح الصحيح للنووي ٩ : ١٣٣ ـ ١٣٥ ؛ والحاكم في المستدرك ٢ : ٢٨ ؛ والبيهقي في السنن ٥ : ٣٥٧ ؛ وابن حبّان في صحيحه ١١ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ / ٥٠٤٤ ، كتاب البيوع باب الديون.
(٧) الدرّ ٢ : ١١٣ ؛ مسند أحمد ٣ : ٤٢٧ ؛ منتخب مسند عبد بن حميد : ١٤٧ / ٣٧٨ ؛ مسلم ٨ : ٢٣٢ ، كتاب الزهد ؛ ابن ماجة ٢ : ٨٠٨ / ٢٤١٩ ، باب ١٤ ؛ الحاكم ٢ : ٢٩ ، كتاب البيوع ؛ الثعلبي ٢ : ٢٨٧ ؛ البغوي ١ : ٣٨٩ / ٣٣٧ ؛ مجمع البيان ٢ : ٢١٣ ، وفيه : «... أظلّه الله تحت ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه» ؛ أبو الفتوح ٤ : ١١٥ ؛ الوسيط ١ : ٣٩٩.