قاله هنا بالواو ، وقاله بعد بالفاء ، لأنه ذكر هنا أول مجيئهم إلى يوسف ، فناسبته الواو ، الدالة على الاستئناف.
وذكر بعد عند انصرافهم عنه ، عطفا على" لمّا دخلوا" فناسبته الفاء الدالة على الترتيب والتعقيب.
١٠ ـ قوله تعالى : (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) [يوسف : ٧٠].
إن قلت : كيف جاز ليوسف أن يأمر المؤذن بأن يقول ذلك ، مع أن فيه بهتانا ، واتهام من لم يسرق بأنه سرق؟!
قلت : إنما قاله" تورية" عما جرى منهم مجرى السرقة ، من فعلهم بيوسف ما فعلوا أولا.
أو كان ذلك القول من المؤذن ، بغير أمر يوسف عليهالسلام.
أو أن حكم ذلك حكم" الحيل الشّرعية" التي يتوصل بها إلى مصالح دينية ، كقوله تعالى لأيوب : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) [ص : ٤٤] ، وقول إبراهيم في حق زوجته : هي أختي لتسلم من يد الكافر (١).
١١ ـ قوله تعالى : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) [يوسف : ٨٧].
(مِنْ رَوْحِ اللهِ :) أي من رحمته (إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ.)
إن قلت : من المؤمنين من ييأس من روح الله ، لشدة مصيبته ، أو كثرة ذنوبه ، كما في قصة الذي أمر أهله إذا مات أن يحرقوه .. الحديث (٢) ، ثم إن الله تعالى غفر له؟!
قلت : إنما ييأس من روح الله الكافر ، لا المؤمن عملا بظاهر الآية ، فكل من أيس من روح الله فهو كافر ، حتى يعود إلى الإيمان ، ولا نسلم أن صاحب القصة مات آيسا ، ولم يسمح له الرجوع عن وصيته.
١٢ ـ قوله تعالى : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً ..) [يوسف : ٩٦] الآية.
__________________
(١) القصة في صحيح البخاري.
(٢) القصة في صحيح البخاري.