سورة الشّرح
١ ـ قوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.)
إن قلت : ما فائدة ذكر (لَكَ) فيه و (عَنْكَ) فيما بعده ، مع أن الكلام تامّ بدونهما؟
قلت : فائدته الإبهام ثم الإيضاح ، وذلك من أنواع البلاغة ، فلمّا قال تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ) فهم أن هناك مشروحا ، ثم قال : (صَدْرَكَ) فأوضح ما علم بهما ، وكذا الكلام في : (وَوَضَعْنا عَنْكَ.)
٢ ـ قوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً.)
إن قلت : (مَعَ) للمصاحبة ، فما معنى مصاحبة العسر اليسر؟
قلت : لمّا عيّر المشركون المسلمين بفقرهم ، وعدهم الله يسرا قريبا ، من زمان عسرهم ، وأراد تأكيد الوعد وتسلية قلوبهم ، فجعل اليسر كالمصاحب للعسر في سرعة مجيئه.
فإن قلت : لم ذكر ذلك مرّتين بقوله : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً؟)
قلت : لأن معناه فإن مع العسر ، الذي أنت فيه من مقاساة الكفار ، يسرا في العاجل ، إنّ مع العسر الذي أنت فيه من مقاساتهم يسرا في الآجل ، فلا تكرار ، فالعسر واحد ، والتعريف أولا للجنس وثانيا للعهد ، واليسر اثنان بدليل تنكيرهما.
والتنكير فيهما للتفخيم والتعظيم ، ولذلك روي عن عمر وابن عباس وابن مسعود ، بل عن النبي صلىاللهعليهوسلم : (لن يغلب عسر يسرين) (١) وقيل : كرّر ذلك للتأكيد ، كما في قوله تعالى : (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [المرسلات : ١٩] لتعزيز معناه في النفوس ، وتمكينه في القلوب ، فاليسران متحدان كالعسرين.
" تمت سورة الانشراح"
__________________
(١) أخرجه الحاكم والبيهقي.