إن قلت : قال ذلك في معرض المدح لإبراهيم عليهالسلام ، أو الامتنان عليه ، وأجر الدنيا فان منقطع بخلاف أجر الآخرة ، فكيف ذكره دون أجر الآخرة؟!
قلت : بل ذكره أيضا في قوله (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) إذ المعنى : إن له في الآخرة أجر الصالحين وافيا كاملا ، لكن أخّره موافقة للفواصل ، وأجره في الدنيا قيل : هو الثناء الحسن ، والمحبّة من الناس ، وقيل : هو البركة التي باركها الله تعالى فيه وفي ذريته.
٩ ـ قوله تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [العنكبوت : ٤٦].
إن قلت : كيف قال : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) مع أن جميع أهل الكتاب ظالمون ، لأنهم كافرون قال تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة : ٢٥٤]؟!
قلت : المراد بالظلم هنا : الامتناع عن قبول عقد الذمّة ، أو نقض العهد بعد قبوله.
١٠ ـ قوله تعالى : (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها) [العنكبوت : ٦٣] الآية.
قاله هنا بذكر (مَنْ) وفي البقرة (١) ، والجاثية (٢) بحذفها ، موافقة لما قبله هنا في قوله (مِنْ عِبادِهِ) و (مِنَ السَّماءِ) بخلاف ذلك في البقرة والجاثية.
١١ ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ..) [العنكبوت : ٦٩] الآية. إن قلت : المجاهدة في دين الله إنما تكون بعد الهداية ، فكيف جعل الهداية من ثمرتها؟ قلت : معناه جاهدوا في طلب العلم ، لنهدينهم سبلنا بمعرفة الأحكام وحقائقها ، أو جاهدوا في نيل درجة ، لنهدينهم إلى أعلى منها ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) [محمد : ١٧] وقال تعالى : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) [مريم : ٧٦].
" تمت سورة العنكبوت"
__________________
(١) في البقرة (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) (١٦٤).
(٢) في الجاثية (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) (٥).