بدعاء نفسه» (١).
إنّ للتوحيد والشرك معايير خاصة بها يمتاز أحدهما عن الآخر ، وإنّ الإسلام لم يترك تلك المعايير إلينا بل حدّد كل واحد بحد خاص.
وقد ألمعنا بها فيما سبق ولم يذكر في تلك المعايير أنّ الحياة والموت حدّان للتوحيد والشرك.
وستعرف أنّه لا دخالة لحياة المستغاث منه ومماته في تحديد الشرك أو التوحيد مطلقاً ، لأنّ الاستمداد والاستغاثة بالحيّ مع الاعتقاد باستقلاله في القدرة والتأثير ، وأصالته في إغاثة المستغيث يوجب الشرك ، وكون الاستغاثة بالحيّ أمراً رائجاً بين العقلاء لا يوجب صحتها إذا كانت مقرونة مع الاعتقاد باستقلال المستغاث في الإغاثة ، لأنّ الدارج بين العقلاء هو : أصل الاستغاثة بالحيّ لا باعتباره مستقلاً في العمل.
فلا تكون استغاثة شيعة موسى مطابقة للتوحيد إلّا في صورة واحدة وهي :
أن لا يعتقد معها باستقلال موسى في التأثير ، بل يجعل قدرته ، وتأثيره في طول القدرة الإلهية ، ومستمدّة منه تعالى.
إنّ نفس هذه الحقيقة جارية في الاستمداد ، والاستغاثة ب «الأرواح المقدسة» العالمة الشاعرة حسب أخبار القرآن وتأييد العلوم الحديثة ، فإذا استغاث شيعة موسى ـ عليه السلام ـ به بعد خروج روحه عن بدنه بهذه العقيدة لم يكن عمله شركاً ، ولم يجعل موسى شريكاً لله لا في الذات ولا في الصفات ولا في الأفعال ولا في العبادة ، ولم يعبد موسى بهذه الاستغاثة والطلب.
وأمّا لو استغاث به وهو يعتقد باستقلال روحه في الإغاثة ويعتقد بأنّها قادرة
__________________
(١). كشف الشبهات ، تأليف محمد بن عبد الوهاب : ٧٠ ، طبع مصر.