يقوم بهذه الأُمور مستمداً من قدرة الله ونابعاً عن إذنه ومشيئته ، لم يكن شركاً.
كيف لا وقد نسب القرآن الكريم إشفاء المرضى والأكمه إلى المسيح ـ عليه السلام ـ مع التلويح بالإذن الإلهي إذا قال :
(وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي) (المائدة ـ ١١٠).
كما نسب أيضاً : الخلق والتدبير والإحياء والإماتة والرزق إلى كثير من عباده مع أنّها ـ ولا شك ـ من أوضح أفعاله سبحانه ولا يقل وضوح انتسابه إلى الله ممّا مثل به ابن تيمية.
وليست هذه النسبة إلى غير الله إلّا لأجل ما أشرنا إليه ، في محلّه من أنّ ما يعد فعلاً للبارئ سبحانه ليس هو مطلق الخلق والرزق ، والتصرّف والتدبير ، والإحياء والإماتة ، حتى يناقض نسبتها إلى غيره سبحانه (كما في كثير من الآيات) بل القسم الخاص منها وهو ما يكون الفاعل مستقلاً في فعله ، منحصر به سبحانه كما أنّه ليس ثمة مسلم يطلب هذه الأفعال بهذا النحو من غيره سبحانه حتى يعد عمله شركاً ويكون سؤاله عبادة.
فالواجب على ابن تيمية وأتباعه دراسة أفعاله سبحانه وتمييزها عن أفعال غيره أوّلاً ، فإنّه مفتاح الوحيد لحل هذه المشكلة ، بل هو المفتاح والطريق لحل كل الاختلافات بين ظواهر الآيات التي تبدو متعارضة مع بعضها في نسبة الأفعال.
وعلى ذلك فانّ طلب إزالة المرض ورد الضالة وغيرهما على نحوين :
قسم يختص به سبحانه ولا يجوز طلبه عن غيره وإلّا لَعادَ الطالب مشركاً وعابداً لغير الله.
وقسم يجوز طلبه من غيره ولا يعد الطالب مشركاً ، ولا يكون بطلبه عابداً لغير الله.
وأمّا انّ المسئول والمستغاث هل يقدر على تحقيق الحاجة أو لا. وإنّ الله هل أقدره على ذلك أو لا؟ فهي أُمور خارجة عن موضوع بحثنا الفعلي.