لا معياراً للتوحيد والشرك ، فالساقط في بئر ـ مثلاً ـ لو استغاث بالأحجار والصخور المحيطة به واستنجد بها عُدَّ ـ في نظر العقلاء ـ عابثاً أمّا لو استغاث بإنسان واقف عند البئر قادر على إنقاذه كان طلبه عملاً عقلائياً.
وأغلب الظنّ أنّ مراد الوهابيين من قولهم «ممّا لا يقدر عليه إلّا الله عزوجل» ليس هو التفريق بين القادر والعاجز ، وأنّ طلب الحاجة من الثاني شرك دون الأوّل ، وإن كان هذا تفيده ظواهر كلماتهم وعباراتهم ، بل المقصود من تلك الجملة هو التفريق بين طلب ما هو من فعل الله وشأنه وما لا يكون من فعله وشأنه فتكون النتيجة أنّه لو طلب أحد من غير الله ما هو من فعل الله وشأنه ارتكب شركاً ، كما تشعر بذلك عبارة ابن تيمية إذ قال : «أن يسأله أن يزيل مرضه ويقضي دينه أو نحو ممّا لا يقدر عليه إلّا الله عزوجل» ومثله عبارة الصنعاني إذ قال : «من عافية المريض وغيرها ...».
ولا شك أنّ طلب ما هو من فعل الله وشأنه من غيره من أقسام الشرك ، ويعد السائل عابداً له ، وعمله عبادة. وقد سبق منّا بيان هذا القسم من الشرك عند الكلام في التعريف الثالث للعبادة ، ونحن والمسلمون جميعاً نوافقهم في هذا الأصل.
إلّا أنّ الكلام كلّه إنّما هو في تشخيص ما يعدّ فعلاً لله سبحانه عن فعل غيره ، وقد سلّم ابن تيمية بأنّ إشفاء المريض وقضاء الدين على وجه الإطلاق من أفعاله سبحانه ولذلك لا يجوز طلبه من غيره مطلقاً ، بيد أنّ الحق انّ هذه الأُمور ليست من فعل الله مطلقاً بل القسم الخاص منها يعدّ فعلاً له سبحانه وهو قضاء حاجة المستنجد (كإبراء المريض وقضاء الدين ورد الضالّة وغيرها من الأفعال) على وجه الاستقلال من دون استعانة بأحد.
وأمّا القسم الذي يقوم به غيره بإذنه سبحانه وإقداره فلا يعدّ فعلاً خاصاً به ، ولأجل ذلك لو طلب أحد هذه الأُمور من غير الله من الاعتقاد بأنّ المستغاث