وكأنّ الاستدلال مبنيّ على أنّ معنى الآية هو : ولله طلب الشفاعة فقط.
ولكنّه تفسير خاطئ للآية إذ ليس معنى الآية أنّ الله وحده هو الذي يشفع وغيره لا يشفع ، لأنّه تعالى لا يشفع عند أحد ، وانّما الأنبياء والصالحون والملائكة هم الذين يشفعون لديه.
كما أنّه ليس معناها أنّه لا يجوز طلب الشفاعة إلّا منه سبحانه بل معناها أنّ الله مالك أمرها فلا يشفع عنده أحد إلّا بإذنه.
قال سبحانه : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) وقال : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى.)
ويتّضح ما قلناه إذا لاحظنا صدر الآية وهو :
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ* قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) (الزمر ـ ٤٣ و ٤٤)
فالمقطع الأخير من الآية بصدد الرد على الذين اتّخذوا الأصنام والأحجار شفعاء عند الله ، وقالوا : هؤلاء شفعاؤنا عند الله مع أنّها ما كانت تملك شيئاً فكيف كانت تملك الشفاعة وهي لا عقل لها حتى تشفع.
يقول الزمخشري ـ في كشّافه ـ :
(مِنْ دُونِ اللهِ) أي من دون إذنه (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) أي مالكها فلا يشفع أحد إلّا بشرطين :
أن يكون المشفوع له مرتضى ، وأن يكون الشفيع مأذنوناً له وهاهنا الشرطان مفقودان جميعاً (١).
وما ذهب إليه ابن عبد الوهاب ومن قبله ابن تيمية وأتباعهما من أنّ الآية
__________________
(١). تفسير «الكشاف» : ٣ / ٣٤.