مستقلّة في التصرّف في أُمور الدنيا والآخرة. ومن البديهي أنّ أيّة دعوة لهذه الموجودات وغيرها مع هذه الشروط ، عبادة لا محالة.
وتدل طائفة من الآيات :
على أن دعوة الوثنيين كانت مصحوبة بالاعتقاد بألوهية الأصنام أو مالكيتها لمقام الشفاعة والمغفرة وإليك بعضها :
(فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) (هود ـ ١٠١)
ففي هذه الآية يتّضح جلياً بأنّهم كانوا يعبدونها متصوّرين ومعتقدين بأنّها تغنيهم من شيء كما يمكن للإله الحقيقي أن يفعل ذلك.
(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ) (الزخرف ـ ٨٦)
(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) (فاطر ـ ١٣)
(فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) (الإسراء ـ ٥٦)
فالآيات المذكورة (في مطلع هذا الفصل) لا ترتبط بموضوع بحثنا مطلقاً ، إذ الموضوع هو الدعوة دون الاعتقاد بألوهية ، ولا مالكية لشيء ولا استغناءه ، واستقلاله في التصرف في أُمور الدنيا والآخرة ، بل لأجل أنّ المدعو عبد من عباد الله المكرمين. وإنّه ذو مقام معنوي استحق به منزلة النبوة أو الإمامة ، ولأنّه وعد المتوسّلون به بقبول أدعيتهم ، وإنجاح طلباتهم فيما إذا قصدوا الله عن طريقه. كما ورد في حق النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم :
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (النساء ـ ٦٤)
ثالثاً ـ يمكن أن يقال : إنّ المراد من الدعاء في هذه الآيات هو القسم الخاص منه ، أعني ما كان ملازماً للعبادة لا بمعنى أنّ الدعاء مستعمل في مفهوم