(أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (الأعراف ـ ١٧٣).
إذا تبيّن هذا فنقول : إنّ نزول هذه الآية في بيئة مشركة دليل ـ ولا شك ـ على وجود فريق معتد به في تلك البيئة كانوا يخالفون هذا الميثاق ، فإذا كانت الربوبية بمعنى الخالقية استلزم ذلك أن يكون في تلك البيئة من يخالفون النبي في الخالقية ، ولكن الفرض هو عدم وجود أي اختلاف في مسألة «توحيد الخالقية» في عصر الرسالة فلم يكن المشركون في ذلك العصر مخالفين في هذه المسألة ليعتبروا مخالفين للميثاق المذكور ؛ فلا محيص ـ حينئذ ـ من أنّ الخلاف كان ـ آنذاك ـ في مسألة تدبير العالم وإدارة الكون.
وبهذا التقرير يكون معنى الرب في الآية المبحوثة هنا هو المدبّر.
ه ـ (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) (غافر ـ ٢٨).
تتعلّق هذه الآية بمؤمن آل فرعون الذي كان يدافع عن النبي موسى ـ عليه السلام ـ وراء قناع النصيحة والصداقة لآل فرعون ويسعى تحت ستار الموافقة معهم أن يدفع الخطر عن ذلك النبي العظيم. وأمّا دلالتها على كون الرب بمعنى المدبّر فواضحة ، لأنّ فرعون ما كان يدّعي الخالقية للسماء والأرض ولا الشركة مع الله سبحانه في خلق العالم وإيجاده ، وهذه حقيقة يدل عليها تاريخ الفراعنة أيضاً. وفي هذه الصورة يجب أن يكون المراد من دعوة النبي موسى بقوله : ربّي الله ، هو حصر «التدبير» في الله سبحانه لا مسألة الخلق. ولو كانت تتعلّق بمسألة الخلق والإيجاد لما كان بينه وبين فرعون أي خلاف ونزاع ، إذ المفروض اعتراف فرعون بخالقية الله ـ كما أسلفنا ـ ، هذا مضافاً إلى أنّ الله تعالى يقول في الآية السابقة لهذه الآية :
و ـ (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) (غافر ـ ٢٦)