فإنّ التوحيد في الخالقية لم يكن موضع خلاف لتكون دعوة موسى لبني اسرائيل سبباً لأي تبدّل وتبديل.
ومن هذا البيان يتضح المراد من قول فرعون :
(أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (النازعات ـ ٢٤).
ز ـ (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) (الكهف ـ ١٤).
إنّ الفتية الذين فرّوا من ذلك الجو الخانق الذي أوجده طواغيت ذلك الزمان كانوا جماعة يسكنون في مجتمع يعتقد بألوهية غير الله ، ولكن ألوهية غير الله ـ في ذلك المجتمع ـ لم تكن في صورة تعدّد الخالق ، خاصة وأنّ واقعة أهل الكهف حدثت بعد ميلاد السيد المسيح حيث كانت عقول البشرية وأفكارها قد تقدّمت في المسائل التوحيدية بشكل ملحوظ وحظت من الرقي بمقدار معتد به ولم يكن يعقل ـ في ظل هذا الرقي الفكري ـ وجود مجتمع منكر لخالقية الله ، أو مشرك فيها فلا بد أن يقال إنّ شركهم يرجع الى أمر آخر وهو الاعتقاد بتعدّد المدبّر.
ح ـ إنّ البرهان الواضح على أنّ مقام الربوبية هو مقام المدبّرية وليس الخالقية كما يتوهم ، هو الآية المتكرّرة في سورة الرحمن :
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.)
فقد وردت هذه الآية في السورة المذكورة ٣١ مرة وجاءت لفظة ربّ جنباً إلى جنب مع لفظة الآلاء التي تعني النعم ، وغير خفي أنّ قضية النعمة مع التذكير بمقام ربوبية الله لحياة البشر وحفظها من الفناء أنسب وأكثر انسجاماً ، إذ ذكر النعم (التي هي من شعب التربية الإلهية التي يوليها سبحانه للبشر) يناسب موضوع التربية والتدبير الذي تندرج فيه إدامة النعم وإدامة الإفاضة.
ط ـ لقد اقترنت مسألة الشكر مع لفظة الرب في خمسة موارد في القرآن