يكون حراماً ، مثل سجود العاشق للمعشوقة أو المرأة لزوجها ، فإنّها وإن كانت حراماً في الشريعة الاسلامية ، لكنّها ليست عبادة. فكون شيء حراماً ، غير القول بأنّه عبادة ، فإنّ حرمة السجود أمام بشر من غير اعتقاد بألوهيته وربوبيته إنّما هي لوجه آخر.
من هذا البيان يتّضح جواب سؤال يطرح نفسه في هذا المقام وهو : إذا كان الاعتقاد بالالوهية أو الربوبية أو التفويض ، شرطاً في تحقق العبادة فيلزم أن يكون السجود لأحد دون ضمّ هذه النية جائزاً؟
ويجاب على هذا : بأنّ السجود حيث إنّه وسيلة عامة للعبادة ، وحيث إنّ بها يعبد الله عند جميع الأقوام والملل والشعوب وصار بحيث لا يراد منه إلّا العبادة ، لذلك لم يسمح الإسلام بأن يستفاد من هذه الوسيلة العالمية حتى في الموارد التي لا تكون عبادة. وهذا التحريم إنّما هو من خصائص الإسلام إذ لم يكن حراماً قبله ، وإلّا لما سجد يعقوب وأبناؤه ليوسف ـ عليه السلام ـ إذ يقول : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) (يوسف ـ ١٠٠).
قال الجصاص : «قد كان السجود جائزاً في شريعة آدم ـ عليه السلام ـ ، للمخلوقين ويشبه أن يكون قد كان باقياً إلى زمان يوسف ـ عليه السلام ـ فكان فيما بينهم لمن يستحق ضرباً من التعظيم ويراد إكرامه وتبجيله ، بمنزلة المصافحة والمعانقة فيما بيننا وبمنزلة تقبيل اليد ، قد روي عن النبي ـ عليه السلام ـ في إباحة تقبيل اليد أخبار ، وقد روي الكراهة ، إلّا أنّ السجود لغير الله على وجه التكرمة والتحية منسوخ بما روت عائشة وجابر وأنس أنّ النبيّ قال : ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقّه عليها» (١).
* * *
__________________
(١). أحكام القرآن : ١ / ٣٢.