إلى هنا استطعنا ـ بشكل واضح ـ أن نتعرف على حقيقة «العبادة» و «الشرك» ويلزم أن نستنتج من هذا البحث فنقول : إذا خضع أحد أمام آخرين وتواضع لهم ، لا باعتقاد أنّهم «آلهة» أو «أرباب» أو «مصادر للأفعال والشئون الإلهية» بل لأنّ المخضوع لهم إنّما يستوجبون التعظيم ، لأنّهم (عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٧) فانّ هذا الخضوع والتعظيم والتواضع والكريم لن يكون عبادة قطعاً ، فقد مدح الله فريقاً من عباده بصفات تستحق التعظيم عند ما قال :
(إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (آل عمران ـ ٣٣).
وفي موضع آخر من القرآن صرّح الله تعالى باصطفاء إبراهيم لمقام الامامة إذ يقول تعالى :
(قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (البقرة ـ ١٢٤).
وكل هذه الأوصاف العظيمة التي مدح الله بها : نوحاً وإبراهيم وداود وسليمان وموسى وعيسى ومحمّداً ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ أُمور توجب نفوذهم في القلوب والأفئدة ، وتستوجب محبتهم واحترامهم حتى أنّ مودة بعض الأولياء فرضت علينا بنص القرآن (١).
فاذا احترم أحد هؤلاء ، في حياتهم أو بعد وفاتهم ، لا لشيء إلّا لأنّهم عباد الله المكرمون ، وأولياؤه المقربون وعظمهم دون أن يعتقد بأنّهم «آلهة» أو «أرباب» أو «مصادر للشئون الالهية» لا يعدّ فعله عبادة ـ مطلقاً ـ ولا هو مشركاً ، أبداً.
وعلى هذا لا يكون تقبيل يد النبي أو الإمام أو المعلّم ، أو الوالدين ، أو تقبيل
__________________
(١). (قل لا أسئلكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى) الشورى الآية : ٢٣.