والردّ على هذا الجواب : انه ان اريد باستصحاب السببية اثبات الحرمة فعلا فهو غير ممكن ، لان الحرمة ليست من الآثار الشرعية للسببيّة (١) بل من الآثار الشرعية لذات السبب الذي رتّب الشارع عليه الحرمة ، وإن اريد بذلك الاقتصار على التعبد بالسببيّة فهو لغو لانها بعنوانها لا تصلح للمنجزية والمعذرية (٢).
__________________
(ملاحظة) اجراء الشيخ الانصاري رضي الله عنه للاستصحاب في السببية ليس اجراء للاستصحاب التعليقي وانما هو استصحاب تنجيزي.
(بيان ذلك) ان الغليان حال كون العنب رطبا كان سببا للحرمة فتستصحب هذه السببية الشرعية حال جفافه ويترتب على هذا الاستصحاب الحرمة مثله كمثل استصحاب الطهارة والنجاسة ونحو ذلك حتّى قبل وجود شيء نشك في طهارته او نجاسته.
(١) ذلك لان السببيّة امر انتزاعي ومفهوم ذهني بحت لا مصداق لها في الخارج فهي النسبة القائمة بين السبب ونتيجته ، والحرمة سببها امر خارجي كالخمر فهو الموضوع للحرمة ، والامر اوضح من ان يشرح.
(٢) وانما الذي يصلح للمنجزية والمعذّرية هو العلم بتحقق موضوع الحكم ، كأن يعلم المكلف بكون المائع الذي امامه خمرا ، وامّا ما لم يعلم فسببية الخمرية للحرمة لا تنجّز ولا تعذّر سواء وجد خمر فعلا ام لا.
(وبتعبير آخر) ان مراده (قدسسره) من قوله «... لان السببيّة بعنوانها لا تصلح للمنجزية والمعذريّة» ان السببية لا مصداق خارجي لها انما هي عنوان ينتزعه الذهن من فعل النار ـ مثلا ـ بالورق او الخمر بالانسان وهكذا ، فقال السيد الشهيد رحمهالله هنا ان سببية غليان ماء العنب للحرمة بما انها عنوان ذهني فقط لا تنجّز ولا تعذّر ، إن هي إلّا نفس قولنا «ماء العنب إذا غلى حرم» فهو جعل فقط غير قابل للتنجيز والتعذير حتّى يعلم المكلف بتحقق شرائط الحرمة