لهما من جهة تحصيل المعاش وتكليف السفر إلى بلد القاضي أو المدّعى عليه وتكليف الكاتب قلما أو مدادا أو قرطاسا ونحو ذلك.
واعتبر العامة من الضرار عدم إعطاء الكاتب جعله أي أجرته وهو عندنا [إذا لم يعط من بيت المال رزقه لأنه من المصالح العامة ، فإنه حينئذ يعطيه الآمر بالكتابة ، لأصالة عدم وجوب بذل المنفعة مجانا].
(وَإِنْ تَفْعَلُوا) الضرار أو ما نهيتم عنه مطلقا (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) وخروج عن طاعة الله لا حق بكم ضرره (وَاتَّقُوا اللهَ) في مخالفة ما أمركم به ونهاكم عنه (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) الاحكام التي تحتاجون إليها من أمور دينكم وما يصلحكم في دنياكم (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) تكرير لفظ «الله» في الجمل الثلاث لاستقلالها وعدم توقف إحداها على الأخرى ، فإن الأولى حث على التقوى والثانية وعد بانعامه ، والثالثة لتعظيم شأنه ولأنه أدخل في التعظيم من الضمير.
(تنبيه)
قد يظهر من هذه التأكيدات في أمر الكتابة أنها معتبرة وحجة شرعية يصح التمسك بها. والمشهور بينهم خلاف ذلك ، فلا يصح الركون إليها ، بل اللازم الوقوف مع ظاهرها كما ذهب اليه البعض. ولقد بالغ المانعون في ردها حتى قالوا انه لو علم أنه خطه لم يجز له الشهادة به الا أن يعلم الواقعة فيشهد لكونه عالما لا لكونه خطه بيده. ويمكن توجيه المشهور بأن الشهادة يعتبر فيها كونها عن علم كما ثبت بالأدلة ، وظاهر ان الكتابة لا توجبه ولو أوجبته وجب العمل بها لمكان العلم ، وحينئذ فيمكن أن تكون الفائدة فيها كونها موجبة لتذكير الشاهد أو صاحب الحق ، وكفى بهذا فائدة.
ذكر عليّ بن إبراهيم في تفسيره ان في البقرة خمسمائة حكم وفي هذه الآية خاصة خمسة عشر حكما. وقد تلوناها عليك في تضاعيف الكلام.
الثانية : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ