في ذلك طيب النفس للمبالغة والتنبيه على انه لو صدر ذلك منهن لشكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم فليس في محله ، ومن ثم عداه بعن لتضمن معنى التجافي والتجاوز ، وقال «منه» مع كون هبة الكل أيضا كذلك بعثا لهن على تقليل الموهوب.
قال في الكشاف وفي الآية دليل على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط حيث تلي الشرط على طيب النفس ، فقيل (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ) ولم يقل فان وهبن لكم أو سمحن ، اعلاما بأن المراعى هو تجافى نفسها عن الموهوب طيبة ، وقيل فان طبن لكم عن شيء منه نفسا ولم يقل فان طبن لكم عنها بعثا لهن على تقليل الموهوب ، ونقل عن جماعة عدم جواز هبة الكل مطلقا. ثم قال : ويجوز أن يكون تذكير الضمير لينصرف الى صداق واحد فيكون متناولا لبعضه ولو أنّث لتناول بظاهره هبة الصداق كله ، لأن بعض الصدقات واحدة منها فصاعدا.
(فَكُلُوهُ) أراد به مطلق الإنفاق والتصرف ، لأنه قد يعبر عن ذلك بالأكل ، [فيدخل فيه ما إذا كان المهر دينا في الذمة] (هَنِيئاً مَرِيئاً) صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ إذا ساغ من غير غص أقيمتا مقام مصدريهما ، أو وصف بهما المصدر ، أو جعلتا حالا من ضمير المفعول. وقيل الهنيء ما يلذه الإنسان حال الأكل والمريء ما يحمد عاقبته.
وفي المجمع الهنيء الشفاء من المرض ويقال هنأني الطعام ومرأنى ، إذا صار لي دواء عاجلا شافيا. ثم قال : وفي كتاب العياشي مرفوعا الى أمير المؤمنين عليهالسلام جاء رجل فقال : يا أمير المؤمنين إني يوجعني بطني. فقال : ألك زوجة. قال : نعم. قال : استوهب منها شيئا طابت به نفسها من مالها ثم اشتر به عسلا ثم اسكب عليه ماء السماء ثم اشربه ، فإني سمعت الله يقول في كتابه (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) وقال (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) وقال (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) فإذا اجتمعت البركة والشفاء والهنيء المريء شفيت إنشاء الله. قال : ففعل ذلك فشفي.
وفي الآية دلالة على أن هبة ما في الذمة التي هي في معنى الإبراء لا تحتاج الى القبول ، وعلى عدم اختصاص الهبة بالأعيان ، كما أن الصدقة لا تختص بها على ما مر.