وقال قطرب (١) : كانت العرب تعاهدوا أن لا يسمعوا القرآن ، ويلغوا فيه ، فافتتح بما لا يعلم تطرّقا إلى استماع ما يعلم.
ـ وقال ثعلب (٢) : إنّ الافتتاح بما لا يعلم صحيح على مذهبهم ، كقولهم : ألا إنك كذا.
ولا معنى في «ألا» سوى استحضار قلب السامع ، فكذلك أمر هذه الحروف. وأكثر هذه الأقاويل مدخولة ، لأنها ليست على نهج كلام العرب ، ولأنه لا يجوز في كلام الحكيم الأصوات الخالية من المعنى ، وإنما الصواب في أحد الأقوال الثلاثة :
ـ أحدها : أنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله ، وهو قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، قال : إنّ لكلّ كتاب سرا ، وسرّ الله في القرآن أوائل السور (٣) ، ولأنّها سميت معجمة لإعجام بيانها وإبهام أمرها.
__________________
(١) اسمه محمد بن المستنير ، وسمي قطربا لقول سيبويه له ـ وكان يخرج بالأسحار فيجده على بابه حريصا على التعلم ـ : ما أنت إلا قطرب ليل ، وهو مولى سلم بن زياد ، ومن تلامذته أبو القاسم المهلبي ، توفي سنة ٢٠٦ ه له كتاب «معاني القرآن» وكتاب «إعراب القرآن» لم يطبعا.
(٢) هو أحمد بن يحيى إمام الكوفيين في عصره في اللغة والنحو ، وكان له علم كثير ورواية واسعة وأمال جيدة له كتاب «الفصيح» وقد طبع. وكتاب «مجالس ثعلب» وقد طبع. توفي سنة ٢٩١ ه.
(٣) روي هذا عن الشعبي فقد أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن داود بن هند قال : كنت أسأل الشعبي عن فواتح السور قال : يا داود ، إن لكل كتاب سرا ، وإن سر هذا القرآن فواتح السور ، فدعها وسل عما بدا لك. راجع الدر المنثور ١ / ٥٩. وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب ، وذكر أبو الليث السمرقندي عن عمر وعثمان وابن مسعود أنهم قالوا : الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر. اه. راجع تفسير القرطبي ١ / ١٥٤ وبحر العلوم ١ / ٢٤٩.