سبب مرضاهم ، جازت إضافة زيادة المرض إلى الله بسبب زيادة الآيات كما قال الفرزدق (١) :
١٨ ـ سقتها خروق في المسامع لم تكن |
|
علاطا ولا موسومة في الملاغم |
أي : لما سمعت السقاة أنها إبل فلان سقوها إبلا لا لهم ، فأضاف السقي إلى خروق آذانهم لأنّ الصوت هنالك حتى سمع فكان سبب السقي ، فعبّر بالسبب عن المسبب بهذه الفصاحة.
وأنشد ابن السراج (٢) في مثل هذا الموضع :
١٩ ـ ذر الآكلين الماء ظلما فما هم |
|
ينالون خبزا بعد أكلهم الماء |
والماء لا يؤكل. ولكنهم كانوا يبتغون شري الأرض من صاحبها ، فيشترون بثمنه ما يأكلونه ، فاكتفى بالمسبب. ومثله (٣) كثير.
__________________
(١) أبو فراس همام بن غالب الشاعر المشهور ، كان أبوه من جلة قومه وسراتهم ، وله مهاجاة كثيرة مع جرير ، وكلاهما من فحول الشعراء الأمويين ، توفي سنة ١١٠ ه. والبيت لم أجده في ديوانه ، وهو في الكامل للمبرد ١ / ٤٥. والعلاط : وسم في العنق ، والملاغم من كل شيء الفم والأنف والأشداق.
(٢) محمد بن السري ، يكنى أبا بكر ، أحد أئمة الأدب والعربية ، أخذ عن المبرّد ، وعنه السيرافي والرماني ، وكان يلثغ بالراء فيجعلها غينا ، له كتاب «الأصول في النحو» ، طبع مؤخرا ، من أنفس الكتب ، توفي سنة ٣١٦ ه. والبيت لم ينسب ، وهو في سفر السعادة للسخاوي ٢ / ٦٦٥ ؛ والخصائص ١ / ١٥٢ ؛ واللسان مادة أكل. وفيهم : «خيرا» بدل «خبزا». يريد قوما كانوا يبيعون الماء فيشترون بثمنه ما يأكلونه ، فاكتفى بذكر الماء الذي هو سبب المأكول عن ذكر المأكول.
(٣) فمن ذلك قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ، سمي عقوبة الاعتداء اعتداء لأنها سببته عن الاعتداء ، ومثله قوله تعالى : (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) تجوّز بالعدوان عن مكافأة الظالمين ، ومثله قوله تعالى : (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) تجوّز بالابتلاء عن العرفان ، لأنه مسبب عن الابتلاء ، كأنّه قيل : ونعرف مخبراتكم. إلى غير ذلك. راجع الإشارة إلى الإيجاز ص ٥٢ ـ ٥٣.