وقال الفراء : معناه : أقبل عليها. تقول العرب : كان فلان ينظر إلى غيري ثم استوى إليّ (١).
وقيل : معناه : استولى على ملك السماء ، ولم يجعلها كالأرض التي ملّكها عباده.
كما قال :
٤٣ ـ فلمّا تولّوا واستوينا عليهم |
|
تركناهم صرعى لنسر وكاسر (٢) |
وفي الآية ما يبطل الحمل على الانتصاف لأنّه لا يليق بذكر الإنعام بما خلق ، ولأنه لا يتعلق به (فَسَوَّاهُنَّ). فإن قيل : في هذه الآية خلق السماء بعد الأرض ، وفي قوله تعالى : (بَعْدَ ذلِكَ دَحاها)(٣) خلق الأرض بعد السماء (٤)؟
قلنا : الدحو ليس من الخلق ، وإنما هو البسط ، فجاز أنّه دحاها بعد أن خلقها وبنى عليها ، وكذلك التسوية ليس بخلق فجائز أنّه جعلها سبعا بعد خلق الأرض وكانت مخلوقة قبل ، كما في الحديث : «إنّها كانت دخانا» (٥).
__________________
(١) انظر معاني القرآن ١ / ٢٥.
(٢) البيت ورد في البحر المحيط ١ / ١٣٤ ؛ وروح المعاني ١ / ٢١٥ ؛ وحاشية الشيخ زاده ١ / ٥٧٠ ؛ وتفسير القرطبي ٣ / ٢٧٨ ؛ والدر المصون ١ / ٢٤٣ من غير نسبة.
(٣) سورة النازعات : آية ٣٠.
(٤) أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنّ رجلا قال له : آيتان في كتاب الله تخالف إحداهما الأخرى؟! فقال : إنما أتيت من قبل رأيك ، اقرأ : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ حتى بلغ ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) وقوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها). بسطها. راجع الدر المنثور ٨ / ٤١٢.
(٥) أخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال : خلق الله السموات من دخان ، ثم ابتدأ خلق الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين فذلك قول الله تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) وذكره. وقد ورد في القرآن : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ ، وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا).