والفضيلة بتصور المعنى لا بتداول اللفظ ، ولكنّه لا بدّ للكلام المفيد من الاسم ، وقد يستغني عن الفعل والحروف ، فلقوّة الاسم وغلبيته على الكلام جرى الاكتفاء بذكره مما هو تال له ، وهذا كما قال المخزومي (١) :
٤٤ ـ الله يعلم ما تركت قتالهم |
|
حتى علوا فرسي بأشقر مزبد |
٤٥ ـ وعلمت أني إن أقاتل بعدهم |
|
أقتل ولا يضرر عدويّ مشهدي |
فخص «الله» بالذكر على معنى أنّه إذا علمه لا أبالي أستشهدت غيره أو لم أفعل ، لأنّه أمر خفي لا يعلمه غير الله. ألا ترى إلى عنترة وذكره علم الفوارس مع علم الله في قوله :
٤٦ ـ الله يعلم والفوارس أنني |
|
فرّقت جمعهم بطعنة فيصل (٢) |
وأمّا كيفية تعليم آدم الأسماء ، فينبغي أن يعلم أنّه لا يجوز ذلك بالعلم الضروري ؛ لأنّ المعرفة بالله وصفاته بالاستدلال. فكذلك بقصده وإرادته ، ولا يجوز ذلك بالمواضعة والإيماء لأنّه يتعالى عنه ، فيكون بالوحي والتوفيق ، حجة معجزة من خلقه في أول ما أعقله ، إلا أنّ أوّل اللغة يكون بالمواضعة من الخلق والاصطلاح عليها ، ثمّ الله يغيّرها ويكثّرها بالوحي ، بأن يوقف على مراتب الأسماء والمصادر ، وكذلك مبادىء الأفعال والحروف ثم يهدي للتصرف والاشتقاق.
(ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ).
__________________
(١) البيتان للحارث بن هشام المخزومي أخي أبي جهل. شهد بدرا مع المشركين وانهزم. فاعتذر الحارث من فراره وأنشد الأبيات ، ثم أسلم يوم فتح مكة وحسن إسلامه. والبيتان في عيون الأخبار ١ / ١٦٩ ؛ والعقد الفريد ١ / ٩٩ ؛ وسيرة ابن هشام ٣ / ١١٣.
(٢) البيت في ديوانه ص ٥٧ وفي لباب الآداب ص ٢١٨ لكن فيها «الخيل تعلم ...» وهو في الأغاني ٧ / ١٤٣.