إلا أنّه تعالى أراد الجنس ، ومكّن آدم من علم الدليل فغفل عنه ، وظنّ أنّه لا يلزمه ذلك.
وقيل : إنّ زلته أكله ناسيا ، وبعض النسيان ربما يؤخذ على الأنبياء لما يلزمهم من التحفظ والتيقظ كثيرا ، فيكون صدوفهم عن تذكّر النهي حينا تفريطا.
(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها). (٣٦)
الهبوط الأول من الجنة إلى السماء ، والثاني من السماء إلى الأرض.
والهبوط الأول ـ وإن لم يكن نزولا لأنّ الجنة في السماء ـ إلا أنّه ما كان فيه انتقال المكان مع سقوط المرتبة كان كقول لبيد (١) :
٥١ ـ كلّ بني حرّة مصيرهم |
|
قلّ وإن أكثرت من العدد |
٥٢ ـ إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا |
|
يوما فهم للفناء والنفد |
وفي هذه القصة كلّ التحذير من المعاصي ليحضر العبد قلبه ما جرى على آدم وبارتكاب صغير مع التأويل فلا يرتكب الكبائر.
وقد نظمه بعضهم فقال :
٥٣ ـ يا ساهرا ترنو بعيني راقد |
|
ومشاهدا للأمر غير مشاهد |
٥٤ ـ تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي |
|
درك الجنان ونيل ملك خالد |
__________________
(١) لبيد بن ربيعة صحابي جليل من المخضرمين ، وأحد أصحاب المعلّقات ، وبعد إسلامه انتقل إلى الكوفة ومات بها بعد أن عمّر طويلا.
ويروى عجز البيت الثاني :
يوما يصيروا للهلك والنكد
وقوله : يهبطوا ، أي : يموتوا ، وأمروا : كثروا ، وقل : قليل. راجع ديوان لبيد ص ٥٠. وفي المخطوطة [الفند] بدل [النفد] وهو تصحيف ، ومجاز القرآن ١ / ٣٧٣ ، والأول في الروض الأنف ٢ / ٢١٢.